الحديث السابع الين النصحية
في مجموعة تعليم السنة حرسها الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
(يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد :
فالحديث السابع في الأربعين النووية هو حديث تميم الدَّاري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله(: «الدِّينُ النصيحة». قلنا: لمن يا رسول الله! قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، وللأئمة المسلمين، وعامتهم» رواه مسلم.
فهذا الحديث حديثٌ عظيم من الأحاديث الكلية الجامعة لأمر الدين، والجامعة لمصالح الدنيا والآخرة، وقد اشتمل هذا الحديث على الدين كلِّه ، واشتمل على حقوق الله جل وعلا، وعلى حقوق رسوله(، وعلى حقوق العباد.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أهمية النصيحة ومنزلتها في دين الإسلام، ولهذا صدَّر عليه الصلاة والسلام الحديث بقوله: «الدين النصيحة».
قال (الدين) والدين؛ له معنيان: المعنى الأول العمل، والمعنى الثاني الجزاء.
أما المعنى الأول؛ كما في قوله تعالى: (ألا لله الدين الخالص( أي العمل الخالص .
والمعنى الثاني: ألا وهو الجزاء؛ كما في قوله تعالى: (مالك يوم الدين(، في يوم القيامة يظهر ملك الله عز وجل لجميع البشر ، فالمراد بيوم الدين في هذه الآية يوم الجزاء.
والمراد بالدين في هذا الحديث دين العمل .
قال (الدين النصيحة) والنصيحة هي: إرادة الخير للمنصوح له، وهذا فيما يتعلق بنصح أئمة المسلمين وعامتهم.
والنصيحة لا بد لها من عمل القلب وعمل الجوارح، وعمل القلب يكون بنقائه، وصفائه، وعمل الجوارح بإخلاصه، وإحسانه. ولا بد للنصيحة أن يكون القلب ناصحًا، وكذلك الجوارح ناصحةً، إذاً النصح يكون بالقلب إرادة وبالجوارح فعلا
«الدين النصيحة»: أي أن الدين كله نصيحة؛ في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق والسلوك ، وفي واجبات الدين، وسننه ،
«الدين النصيحة»: ليس على إطلاقه؛ أي أن معظم الدين النصيحة ، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، للأهمية هذا الركن فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج وأيضاً كقوله صلى الله عليه وسلم : «الدعاء هو العبادة» بين منزلة الدعاء من العبادة،
وعند أبي عوانة كرر عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة» ثلاث مرات يريد بذلك تأكيد النصيحة وأهمية النصيحة.
وقد أبهم النبي صلى الله عليه وسلم لمن تكون النصيحة حتى يسأل الصحابة -رضي الله عنهم- عنها لأنه وقوع الشيء مجملًا ثم يفصل هذا المجمل أدعى للحفظ، ولرسوخ العلم وثباته ، وأيضًا إذا جاء الكلام مجملاً تطلعت النفوس وتشوفت إلى توضيح هذا المجمل وتفصيله ، وهذا من حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم ، فأدرك الصحابة رضي الله عنهم منزلة النصيحة وأهميتها .
ف (قالوا لمن هي يا رسول الله)؟! أي أن لمن تكون النصيحة؟ والام في (لمن) للإستحقاق أي من يستحقها في الدين وهذا السؤال من الصحابة رضي الله عنهم فيه دلالة واضحة على حرصهم على العلم، ورغبتهم في الخير .
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لله» أي بأن تؤمن بالله عز وجل، وتستسلم له، وتؤمن بربوبيته؛ بأنه جلا وهلا هو المتفرِّد بالخلق، والملك، والتدبير، وبأفعاله كلها ؛ كالإحياء، والإماتة والبعث، والنشور، والرزق، وأيضًا تؤمن بألوهيته جل وعلا؛ أي أن الله عز وجل هو المستحق للعبادة وحده دون سواه ، وأنه هو المعبود بحق ، فلا معبود بحقٍ إلا الله ، وتؤمن أن هذه الآلهة آلهة باطلة لا تستحق من العبادة شيئًا، والعبادة حق خالص لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد .
وأن تؤمن بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى، بإثبات ما أثبت الله عز وجل لنفسه في كتابه من أسماءٍ حسنى، وصفات على، وإثبات ما أثبت له نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته من أسماءٍ حسنى، وصفات على من غير تحريفٍ، ولا تمثيلٍ، ولا تعطيل، ولا تكييف .
تعبد الله عز وجل محبةً وخوفًا ورجاءً وتعظيمًا ورغباً ورهباً ، وذلك بأن تقوم بعبادة الله بإمتثال الأوامر حتى تصل إلى محبته، ومغفرته وجنته، ورضوانه ، وأيضا باجتناب النواهي حتى تنجو من ناره وعقابه، وعذابه ، هذا من حق الله عز وجل الواجب .
وأما من حقوق الله عز وجل المستحبة: بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ولكتابه».
أي أن تؤمن بهذا القرآن الذي أنزله الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، بواسطة جبريل، وتؤمن بأنه كلام الله ليس بمخلوق منزل تكلم به حقيقة بحرف وصوت، وتؤمن بأنه آخر الكتب، ومهيمن على سائر الكتب، وناسخ لها، وتؤمن بأن الله حفظه فلا يُحرَّف، ولا يبَّدل، ولا يغيَّر ولا يزاد فيه ولا ينقص منه ، ويجب تصديق أخباره والتحاكم إليه عند التنازع والإختلاف، والعمل بأحكامه بأن تمتثل أمره، وتجتنب نهيه، وتقف عند حدوده، وتؤمن بمحكمه، وتسلم لمتشابهه، وترد المتشابه إلى المحكم ، وتعتبر بمواعظه، وتتفكر في عجائبه، وأيضًا تحث نفسك والآخرين على قراءته، وحفظه، وتدبر معانيه، والعمل به في حياتك اليومية ، وتنشر علومه، وتصونه من الامتهان؛ والعبث، واللعب، وأيضًا من حقوق القرآن المستحبة: أن تكثر من تلاوته .
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولرسوله».
أي أن تؤمن بأنه صلى الله عليه وسلم مرسلٌ من عند ربه إلى كافة الناس: إلى عربهم، وعجمهم، وأبيضهم، وأسودهم ، بل مرسل إلى الجن كما هو أرسل إلى الإنس أرسل إلى الجن وأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وتؤمن أن رسالته حق فتمتثل أمره صلى الله عليه وسلم ، وتجتنب ما نهى عنه، وزجر، وتصدِّق خبرَه، وتعبد الله عز وجل بما جاء به ، وعليك بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمحبته فوق كل محبَّة؛ فوق محبة النفس، والهوى، وفوق محبة والأهل والمال، وفوق محبة الوالد، والولد، وفوق الناس أجمعين، عليك بمحبة أهل بيته، وأصحابه الكرام، وتُوالي من والاهم ، وتُعادي من عاداهم ، وتتحلى بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهكذا تستنَّ بسنته ، وتبتعد عن كل من ابتعد عن سنته، وتتبرأ عن كل من طعن في أصحابه ، فهذه علامة واضحة في زيغه وضلاله .
قال: «ولأئمة المسلمين».
النصيحة لأئمة المسلمين تكون أولًا: بإعتقاد ولايتهم وإمامتهم ،ولو كان عبداً حبشياً مجدَّع الأطراف ولو أخذ الوِلاية بالقهر والغلبة نعتقد ولايته وإمامته ونسمع له ونطيع ، ولا يشترط في ذلك أن يتولى الولاية ببيعة كل فرد من الرعية له ، كما نسمع كثيراً من بعض المفتونين أنه لا بد أن يبايع الإمام كل فرد من الناس. لا هذا خطأ ، وإنما يُكتفى ببيعة أهل الحل والعقد ، فإذا بايعه أهل الحل والعقد وجب حينئذ على الناس السمع، والطاعة له، ولا يجوز الخروج عليه لأن في الخروج عليه فتنةً عظيمةً ، والسمع والطاعة تكون بالمعروف أي في طاعة الله لا في معصية الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم (إنما الطاعة بالمعروف)، وأيضا قال (لا طاعة لمخلوق في معصية الله)، وإذا أمرنا الإمام بمعصية من المعاصي فلا سمع له وطاعة ، لكن تنبه لا سمع له ولا طاعة في المعصية التي أمر بها فقط وأما في سوى ذلك مما لا يخالف شرع الله فله السمع والطاعة ، وأيضاً له السمع والطاعة إن كان فاسقاً أوجائراً أو فاجراً ، ومن منا يخلو من المعاصي والإمام كذلك لا يخلو من المعاصي فهوبشر ، فله السمع والطاعة وإن كان فاسقاً أو ظالماً ، وإذا أردت نصح الإمام ، فانصحه في السر لا في العلانية وأمام الناس، لأن ذلك فضيحة، النصح للإمام لا يكون على المنابر، ولا في القنوات، والمجلات. لا..، وإنما بينك وبينه، هذا هو المنهج النبوي ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبديه علانية، وليأخذ بيده، وليخلو به» ، أما أن تشهِّر به!! فلا يجوز ذلك ، والعبد لا يرضى ذلك على نفسه أن ينصحه فلان من الناس أمام الملأ ، ترى ذلك فضيحة، ولن تقبل منه. علينا أن نذكر محاسن الإمام بين الرَّعية حتى تأتلف القلوب عليه ، وعلينا أن لا نذكر معايبهم في العلن وكذلك في السر ، لا يجوز ذكرهم بسوء ولو في مجالس الخاصة ،إذاً علينا أن نكفَّ عن مساوئهم –لماذا؟- حتى لا تمتلأ قلوب الناس على ولاتهم ، ولأن في ذكر معايبهم ومساوئهم تمرُّد ، وخروج عليهم ثم إذا حصل ذلك يحصل شرٌّ عظيم، وفسادٌ عريض في البلاد وبين العباد : فتستباح الدماء، وتنتهك الأعراض، وتُنهب الأموال كل ذلك من جرَّاء الخروج. إذًا إياك والتشهير، وإياك أن تتكلم من وراء الإمام فإن الكلام من ورائه شرارة للخروج بالسيف، وهؤلاء هم القَعَديَّة، أخبث الخوارج ، والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن تحريم الخروج؛ فقال: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)، و(من خلع يدًا من الطاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية) وقال أيضا: (ولا تنزعوا يدًا من طاعة) كما رواه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم في وجوب السمع والطاعة (من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني) وقال على (المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) ويقول عبادة رضي الله عنه بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي اليُسر وَالْعُسْرِ والمنشَطِ والمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ . وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) . طاعة الإمام جاءت مقرونة بطاعة الله وبطاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما
قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم(.
ويدخل في أولى الامر منكم العلماء كما ذكر بعض أهل العلم ومنهم ابن القيم رحمه الله
فمن النصح للعلماء محبتهم واحترامهم والتأدب معهم والأخذ منهم والإلتفاف حولهم والذب عنهم .
والنصيحة لعامة المسلمين: بأن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك. فأنت مرآة أخيك ، فإذا رأيت من أخيك شيئًا فانصحه ولا تبخل عليه بنصيحتك لكن لا بد تكون سراً فيما بينكما ، والنبي عليه الصلاة والسلام الإخوة الإيمانية كما في قوله: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر، والحمَّى» فتقف بجانب أخيك لاسيما في وقت ضيقه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ويقول «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» هكذا إذا كنت بجانب أخيك قبل منك النصيحة ، وأيضا قال صلى الله عليه وسلم ، «المسلم أخو المسلم لا يظلمه» إذا أردت أن يقبل أخاك منك النصح لا تظلمه، ولا تعتدي عليه، ولهذا بين عليه الصلاة السلام هذه الأخوة الإيمانية بقوله : «كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه» فلا بد من تحقيق الأُخوة الإيمانية أولاً حتى تكون القلوب صافية، فتقبل الحق ، وتأخذ بالنصيحة ، فقبل أن تصل هذه النصيحة إلى الأ سماع لا بد أن تصل أولاً إلى القلوب ، ثم تلقي هذه النصائح على الأ سماع . هذا الحديث حديث عظيم فيه بيان الدين كله كما بين عليه الصلاة والسلام أن النصيحة تكون لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، هذا الحديث حديث عظيم فينبغي على كل مسلم أن يأخذ به وأن يهتم به وأن يعمل به في حياته اليومية .
وبارك الله فيكم، وصلى الله على نبينا، وعلى آله وصحبه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق