الأحد، 11 يونيو 2017

حكم قول: (خذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكل على الله وكأنها لا شيء)

الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
أما بعد،

فقد ساق بعضهم كلاما لأحد القصاص الجهال: (خذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكل على الله وكأنها لا شيء)

وهذا الكلامُ خلاف الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، قال تعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، وقال تعالى: {وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة}،
فأثبتَ سبحانه وتعالى الأسباب وعدم مخالفتها لأمره سبحانه وتعالى  بالتوكل؛
وقد تواترت الأدلة بذلك فمنه قوله سبحانه: {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا }، وقوله تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت}، وقوله تعالى: {فاتخذه وكيلا }.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"ومما ينبغي أن يُعلم: ما قاله طائفة من العلماء. قالوا: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع. وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع." (مجموع الفتاوى ٨ /١٦٩).

وفي الحديث الصحيح مرفوعا:
"أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته وقال: أأعقلها وأتوكل؟
أو أطلقها وأتوكل؟
فقال صلى الله عليه وسلم: اعقلها، وتوكل."

لهذا :
فلا بّد -كما قيل- أن يطير بجناحين في أمور دنياه:

١. جناح التوكل على الله  كما في الآيات السابقة، ومن ذلك ما وردَ في السنة: ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم:
"لو تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا."

٢. وجناح الأخذ بالأسباب المباحة شرعا كما في الآيات القرآنية ومنها قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}.
فالتوكل على الله عبادة، وصرفها لغير الله شرك.
كما أن الاسباب تركها خلاف العقل كما هو مُشاهد، بل قدحٌ في العقل وكماله وسبب لنظر عقلاء الخلق إليه بعين السخط.
وانظر بارك الله فيك:
الهداية من الله وتوفيقه إلى الإسلام والسنة هي من هذا القبيل؛ فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- له مشيئة ولعباده مشيئة {وماتشاؤن الا ان يشاء الله}.
فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق وقدر ما يكون عليهم من سعادة وشقاء، ومع هذا أرسل الرسل وأنزل الكتب وأظهرَ المعجزات وأبانها فتبين أن الله جعل لخلقه مشيئة وجعل لهم عقولا وأسماعا وأبصارا تؤهلهم لمعرفة الحق من الباطل والخير من الشر، فأبت بعضها هدى الله ودينه؛
وهذا مقتضى مشيئة الله
فيهدي ويوفق ويسعد  فضلا ورحمة،
ويُضل ويشقي عدلا وحكمة قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيهمْ مَشْكُورًا}
وانظر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق على صحته من رواية الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:
"من يرد الله به خيرا يفقه في الدين."
فانظر اجتماع إرادة الله سبحانه وتعالى الشرعية الدينية مع عمل العبد وهو الفقه في الدين فدلّ على أمر الله -سبحانه وتعالى- وإرادته هو الأخذ بالأسباب الشرعية إلى الخيرية وأخصُّها التفقه في الدين وسبب ذلك أن الفقه هو الفهم والعلم بما يجب لله من حقوق  وما يمتنع عنه من أفعال تخل بهذه الحقوق وبيان عباده أهل طاعته من أحوال وصفات وجزاء وفاقا وبيان عباده أهل معصيته وتجليته لهم وأسباب نيلهم سخط الله و عقابه، ثم بيان الدار الآخرة واجتماع الخلق للعرض على ربنا عز وجل...

لهذا ترك التوكل شرك إما أصغر أو أكبر على حسب معتقده، ولايترك التوكل بأي حال من الأحوال كما زعم صاحب العبارة السابقة.

وترك الأسباب:
مخالفة للشرع والذي حث عليها في الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة فمن ذلك قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة."
وقبل ذلك ماورد في السنة من قوله صلى عليه وسلم:
"لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه، أو منعوه."
كما ترك العمل وتعطيله سبب لسقوطه من أعين الناس، فقد ورد عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال :
"إنِّي لأرى الرَّجل فيعجبني، فأقول: له حِرفة؟ فإن قالوا: لا، سَقَطَ من عيني.".

والعمل هو سنة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام:
فنبي الله نوح عليه السلام كان نجارا،
وداود عليه السلام كان حدادا،
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويقوم بمهنة أهله وكان راعيا للغنم،
بل إن هذه الحرفة -وهي رعي الغنم- ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من نبي إلا وقد رعى الغنم."

والله أعلم،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين.

كتبه: غازي بن عوض العرماني

هناك 11 تعليقًا:

  1. كأنها لاشيء المقصود هنا الأسباب وليس التوكل
    فقط للتوضيح
    وبالتالي الجملة صحيحة ولم يقلها جاهل

    ردحذف
  2. كلامك يفسر تماما معنى
    خذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكل على الله وكأنها لا شيء

    ردحذف
  3. جمله صحيحه وكل ما ذكرته لا يوفقها بل بالعكس يؤيدها

    ردحذف
  4. الجملة صحيحة وما تقوله لا ينافيها...

    ردحذف
  5. صحيح هذه المقولة خاطئة وبعض الجهلة في التعليقات يخطئون هذا الأخ الذي كتب هذا الرد على هذه المقولة لكون هؤلاء عقولهم معوجة وتفكيرهم معقد وأعرج ، وإلا فهذه المقولة الباطلة يتداولها المخرفون ونقصاء العقل ، فلماذا يترك المسلم الواضح الصحيح ويأخذ المعقد الخاطئ

    ردحذف
  6. لا يبدو العبارة باطلة وكلام الأخ في رده لا يبدو موفقا بل فيه تهور من جهة وسوء فهم للعبارة من جهة أخرى

    ردحذف
  7. لا يبدو العبارة باطلة وكلام الأخ في رده لا يبدو موفقا بل فيه تهور من جهة وسوء فهم للعبارة من جهة أخرى

    ردحذف
  8. نعته بالجاهل دون استحياء...فظهر من النصوص التي عرضتها أنك أنت الجاهل دون اسحياء.. إذ لا تعارض بين عبارته و فحوى نصوص الكتاب والسنة...فكأنها لاشيء تعود على الأسباب....إلا الحماقة أعيت من يداويها...سلام

    ردحذف
  9. إتق الله يا رجل فأنت الذي وقعت في الجهل

    ردحذف
  10. يبدو أن الكتاب لايعرب المقصود بالأخذ بالأسباب
    ومما استدل به حجة عليه

    ردحذف
  11. مقالة طويلة جدا لتعترض على قول يلخصها أصلا و كأنها تشرحه ، الاخذ بالاسباب يكون بالعزم و التوكل على الله يكون بغير التعلق بالاسباب ..و هذا مغزاها

    ردحذف