كلمة حق وعرفان في أخينا الفاضل عبد الله رسلان
الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، وآله وصحبه المستكملين الشرفا ،
وبعد :
كلمة حق أقولها لله ، وأسأل الله أن يجعلها لوجهه خالصة ، وأن يتقبلها مني ، ولا يجعل فيها شائبة شرك لأحد من العالمين .
عرفت الأخ عبد الله رسلان منذ زمن بعيد ، وكنت من أشد الناس طعنا فيه وفي أخيه وأبيه ، إلى أن من الله - تبارك وتعالى - علي بالتوبة من هذا الإفك ، والتحلل من قرين الشرك ! ، ولما اقتربت منه وخالطته ، وجدت فيه كثير من الخصال الحسنة التي ما كنت أتوقع أن تصدر منه ، من الكرم ، والجود ، والفضل ، وبذل النصيحة مع الستر ما أمكن ، وقد سمعته يقول أمامي أكثر من مرة : تكلمت بكثير من الكلام الذي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لسكت عنه ! ، وهو بذلك - حفظه الله - يقرر أنه بشر كالبشر ، يعلم ويجهل ، ويؤخذ من قوله ويترك ، شأنه في ذلك شأن كثير من طلاب العلم الشرعي ، ومن المواقف التي لا أنساها له ، والمواقف كثيرة ، موقف قديم ، وموقف جديد ، وكلا الموقفين يدلان على حبه لماشيخ السنة ، وتقديره لهم ، وتعظيمه لشأنهم ، ومعرفة قدرهم ، وعدم قصد الوقيعة في أحد منهم .
الموقف الأول : قديما اتصل به متصل - حدادي - وكان الأخ عبد الله بجواري وكنا في المسجد الشرقي بسبك الأحد ومعنا ثلة من طلبة العلم ، فاتصل عليه متصل خبيث - وما اكثرهم ! - وأثناء اتصاله به بدأ في استفزازه ليأخذ منه كلمة أثناء غضبه ليطير بها ، فقام المجرم المغرض برمي الشيخ رسلان بالسرقة العلمية ! - كنت أسمع هذا من خلال مكبر الصوت الذي في الهاتف - ومن ثم رمي عبد الله بنفس الفرية ؛ فرد عليه الأخ عبد الله قائلا بعد حوار طويل يرجو منه رجوعه لجادة الصواب : إذن ؛ عليك أن ترمي أكثر علماء السلف بالسرقة العلمية ، لأنهم كانوا ينقلون من كتب غيرهم من أهل العلم دون عزو ، والنقولات كثيرة في هذا الصدد ، وما كانوا يتقصدون ذلك ولهم في ذلك عذر ، ودونك الشيخ ابن عثيمن - رحمه الله - ؛ فهل تجروء أو يجروء غيرك على رميه بذلك - وكان ذلك من باب ضرب المثال لا من باب الطعن كما توهم البعض ! - وكان الأخ عبد الله يقصد بعض كتب الشيخ - رحمه الله - كالقواعد المثلى ؛ فكله نقولات عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه البار - رحمة الله عليهما - ؛ فأخذ ذلك الحدادي النمام ؛ هذا الكلام وانتزعه من سياقه ، وركب له كلاما مغايرا بطريقته - كما هي عادتهم - ليظهر من خلال هذه الصوتية أن عبد الله يرمي الشيخ ابن عثيمين بالسرقة العلمية ! ، وليس الأمر كذلك ، ولم يعتقد عبد الله هذا الكلام لا يقظة ولا مناما ! ؛ فطار هذا الكلام حتى وصل إلى بعض الأخوة الأفاضل ، وكان على هذا الفاضل أن يقول لعبد الله : ما حملك على ما فعلت ؟ ليبرز هذا الأدب الضائع في دنيا طلاب العلم ! إلا من رحم ربي وعصم وقليل ما هم ! ، وأن يبذل معه النصيحة ما أمكن حتى يأخذ بيد أخيه إن عثر أو زل ! ؛ فأخرج فيه عبارة ليست بسديدة ، وإنما تقال هذه العبارة فيمن ينشر صوره في مواقع التواصل ؛ فيسأل غيره عنه : ماذا عن السلفي الذي ينشر صوره في مواقع التواصل ، مع وفرة العلماء الذين حذروا من هذا الأمر ؛ فيكون الرد : هذا [ ليس بجيد ] من يفعله أو يتخذه دينا فقد وقع في مخالفة صريحة ! ، ومع كون ذلك كذلك ؛ فلم يتكلم أحد من السلفيين في هذا الأمر اللهم إلا الآن وهو من باب ضرب المثال ؛ فلابد من استصحاب سلفية الرجل الداعي إلى الله قبل التكلم فيه ؛ وتنفير الناس عنه ، وذلك قبل أن يحذر منه ، أو يتكلم فيه بما ليس فيه ؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره ؛ فلماذا نعطل إحسان الظن بإخواننا مع أن وسائل الاتصال مبذولة منشورة ، ونصائح العلماء في السلفي الذي وقع في خطأ شهيرة ومستورة ، ودونك الربيع ونصائحه الغالية للمخالف قبل الموالف والتي منها ما كان قرابة العشرة أعوام ؟!
الموقف الثاني : في الدورة العلمية الأخيرة لشيخنا العلامة المحاهد محمد سعيد رسلان - حفظه الله - ؛ عاتبني أخي عبد الله في مكتبته ، وقال لي : سمعت أن فلان سيأتي من ليبيا عليك ؟ ؛ فقلت له : هذا ليس بصحيح ؛ فقد اتصل بي بعض الأخوة وطلبوا مني ذلك ؛ فأبيت حتى أسأل مشايخي يا شيخ عبد الله ؛ فقال لي : هل نغضب الشيخ عبيد وطلابه بسبب هذا الرجل ونستقدمه ! ، لا والله ، الشيخ عبيد عندنا مقدم عليه وعلى غيره من أهل الفتن ؛ فقلت له : صدقت يا شيخ والله ، وأنا ما كنت لأفعل هذا الأمر أبدا ؛ فأنت تعلم أنني لا أتقدم مشايخي ، ولا يخفاك أن الشيخ عبيد إمام عندنا معاشر طلاب العلم ، وقوله على العين والرأس ، وأن الشيخ لا يتكلم بهوى .
فأهيب بكل صاحب سنة ، ممن يحترم كلام أهل العلم الكبار ، من أمثال شيخنا العلامة الوالد حسن بن عبد الوهاب البنا ، والشيخ العلامة المجاهد محمد سعيد رسلان ، والشيخ المفسر عادل السيد ، والشيخ الوقور طلعت زهران ، وغيرهم من مشايخ السنة في مصر أن لا يتقدم عليهم بجرح غير مفسر من غيرهم ؛ فهم بلدي عبد الله وأدرى به من غيره ، ولاسيما إن كان هذا الغير من صغار طلاب العلم ، وأن يعملوا بنصائح الشيخ العلامة الإمام ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله - في التأدب مع السلفيين ، واحترامهم ، وعدم التعالي والشموخ عليهم ، وبذل النصيحة إليهم ، وأن يعرف كل واحد من طلبة العلم قدره ومكانته ، وأوله ونهايته ، وأن يكل ما هو أكبر منه لمن هم أكبر منه وأعلم ، وأن يحرص على إخوانه من الزلل والانحراف كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصا على أصحابه - رضي الله عنهم - ، ولاسيما من لهم جهود طيبة في خدمة هذه الدعوة السلفية المباركة من سنين ، محتسبين الأجر من الله - تبارك وتعالى - ، وأخيرا أختم كلامي بكلام الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حيث قال محذرا من التدابر والتقاطع والتشاحن بين أصحاب المنهج الواحد :
فالخطأ لا يوجب التنفير منه - أي من المخطىء ما دام على المنهج السلفي - ، ولكن ينبه على الخطأ الذي وقع منه ؛ فكل إنسان له أخطاء ، ولكن الاعتبار بما غلب عليه ! ، وبما عُرف عنه من العقيدة الطيبة ؛ فالواجب على الدعاة إلى الله أن يتبصروا ، وأن يرفقوا ، وأن لا يعجلوا من أمورهم ! ، وأن يتحروا الحق ، وأن يحذروا التنفير من أهل العلم ، وأن يحذروا أسباب الشحناء والعداوة ، بل عليهم أن يحرصوا على كل أسباب الاجتماع بين أهل العلم وبين أهل السنة والجماعة في دعوتهم إلى الله ، وترغيبهم للناس في الخير ، حتى يكثروا الدعاة إلى الله وحتى ينتشروا ، وحتى يرغب الناس في الدعوة والأخذ عنهم ؛ فإذا سمعوا هذا ينفر من هذا ، وهذا ينفر من هذا ، ضاعت الدعوة ! ، وساءت الظنون ! .
انتهى كلام الشيخ - يرحمه الله - ، نقلا من مجموعه المبارك ، المجلد السابع والعشرون ، صحيفة ( ٢١ ) ، مقال بعنوان : لا سبيل إلى معرفة العبادة إلا بالدعوة إلى الله تعالى .
وكتب راجي عفو ربه العلي :
سمير بن سعيد القاهري