الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذه الحلقة الثالثة من سيرة الدعوة السلفية المباركة التي قام بها عالم المغرب الشيخ النحرير محمد تقي الدين الهلالي في العراق ويتحدث الشيخ هنا عن جهوده في تطهير جامع الدهان من البدع والمنكرات قال فضيلة الشيخ المحدث في كتابه الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة ص111-113 :
كان في هذا الجامع كغيره من المساجد بدع :
…الأولى: قراءة القرآن بالتناوب في مكان مرتفع مخصص للقارئين و كانوا يشوشون على المصلين بقراءتهم.
…الثانية: صلاة ركعتين بعد الأذان الأول, يقوم المؤذن فينادي بأعلى صوته متغنيا فيقول:{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله وخاتم النبيين و كان الله بكل شيء عليما} الأحزاب:40 ثم يقول: صلاة سنة الجمعة يرحمكم الله فيقوم الناس كلهم و يصلون ركعتين, و من لم يصلهما يعد تاركا للسنة, و كان المؤذن يرفع صوته بالتسميع خلف الإمام مع وجود مكبرة الصوة و عدم الحاجة إلى التسميع, كما يفعل اليوم بالمسجد النبوي نسأل الله أن يطهره من المحدثات حتى يعاد إلى الحال التي كان عليها في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين.
…الثالثة: الأذن الأول و هو محدث لم يكن على عهد النبي صلى اغلله عليه و سلم و لا على عهد الخليفتين بعده و هم أولى بالتباع, و لما كان زمان عثمان و كثر الناس في المدينة أمر عثمان مناديا ينبه أهل السوق بقرب صلاة الجمعة ليستعدوا لذلك و يؤموا المسجد و لم يكن ذلك أذانا حقيقيا و لا كان في المسجد فلما كان زمان عبد الملك بن مروان جعله أذانا لازما و جعله في جوف المسجد(انظر كتاب المدخل لابن الحاج و فتح الباري), و كيفما كان الأمر فسنة النبي صلى الله عليه و سلم و صاحبيه الذين قال فيهما(اقتدوا بالذين من بعدي) أولى بالإتباع.
…>الرابعة: كان المؤذن بعد السلام يرفعصوته بأذكار مخصوصة.
…استعنت بالله وحده أنا و تلامذتي و أخذنا نزيل تلك البدع واحدة بعد واحدة حتى قضينا عليها و لله الحمد, و كان الحاج عبد الحميد لا يتأخر عن مساعدتنا في ذلك. فبدأنا بإزالة القراءة ثم إزالة ما كان يترنم به فألفت كتابا سميته(الأنوار المتبعة في سنة الجمعة) و أقمت فيه البرهان على أن صلاة الجمعة ليست لها سنة قبلية و إنما سنة بعدية و نقلت كلاما لأبي شامة في كتاب البدع له و كلام غيره, فلما عرف الناس ذلك بقراءة ذلك الكتاب و بخطب الجمعة المتوالية و كانت كلها من صميم السنة خطبا تعليمية إرشادية اتفقت مع تلامذتي و مع الحاج عبد الحميد الدهان على إزالة الأذان الأول و بإزالته تزول الركعتان, فأنذرت الحاضرين في المسجد في خطبة الجمعة الأخيرة و قلت لهم: لقد علمتم فيما مضى من خطب الجمعة أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن له إلا مؤذن واحد يؤذن أذانا واحدا عند جلوسه على المنبر حتى إذا فرغ المؤذن منم أذانه قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيبا و لم يقم أحد لصلاة ركعتين, إلا من تأخر حتى شرع الخطيب في الخطبة فهذا يصلي ركعتين خفيفتين تحية المسجد كما بينته لكم مرارا و تكرارا بالأحاديث الصحيحة, و قد عزمنا على ترك الأذان الأول و بطبيعة الحال تترك الركعتان المترتبتان عليه فمن شرح الله صدره لقبول الحق فأهلا و سهلا به و هنيئا له و من أبى فالمساجد كثيرة, فلما كانت الجمعة التالية دخلت المسجد و ذهبت رأسا فصعدت المنبر و جلست عليه فقام أحد تلامذتي و أذن ثم قمت أنا و خطبت فجعلناهم أمام الأمر الواقع و انقطع بذلك ما بقي من المخالفات و لله الحمد.
…و الحاج عبد الحميد الدهان كان موافقا لي على إزالة تلك البدع حرصا منه على عمارة المسجد و ازدهاره و لم يكن يدرك أهمية التمسك بالسنة و ترك المحدثات, لأنه تاجر لا يعرف الأدلة الشرعية و يجيئه المخالفون للسنة فيزينون له البدع فيبقى متحيرا و يحل المشكلة بإرضائنا في المسجد و إرضاء خصومنا خارج المسجد بأن يقيم لهم مآدب و يعطيهم الحرية في ارتكاب بدعهم من عمل الموالد و غيرها و لذلك لم يثبت على العهد, فبعدما برحت أنا بغداد طمع فيه المبتدعون فأقنعوه برد تلك البدع بعدما طهر منها المسجد لمدة نحو عشر سنين و لله الأمر من قبل و من بعد.
هجوم مدير الأوقاف علينا
…لما رأى الفقهاء المتعصبون و أصحاب الطرائق المبتدعون نجاح هذا المسجد و ازدهاره و قيام دولة التوحيد و اتباع السنة شرقوا بذلك و دبروا مكيدة عظيمة فذهبوا إلى مدير الأوقاف, و(الأوقاف في العراق لا يكون لها وزير لأنها كلها من وقف أهل السنة و لو كانت لها وزارة مستقلة لأمكن أن يكون الوزير شيعيا و ذلك يخالف شرط الواقف فكانت مديرية الأوقاف تابعة لمجلس الوزراء) فذهب المبتدعون إلى مدير الأوقاف و معهم مفتي بغداد في ذلك الوقت و قالوا له: لماذا لا ستعمل حقك في تعيين الإمام و الخطيب في جامع الدهان و كيف تترك الهلالي ينشر المذهب الوهابي علانية في ذلك المسجد؟! فاستصدر مدير الأوقاف أمرا ملكيا بتعين شخص إماما و خطيبا في جامع الدهان فنال مراده.
…فلما صدر الأمر الملكي كتب صحيفة إلي يقول فيها بعد السلام: إنه صدرت إرادة ملكية لفلان فلان أن يكون إماما و خطيبا بجامع الدهان و قد أخبرنا الإمام أنك لا تمكنه من أداء واجبه فنرجو أن تتخلى عن الإمامة في ذلك المسجد ليتمكن الإمام من أداء واجبه و بعث الصحيفة مكشوفة بلا غلاف إلى الكلية, فسلمها إلى البواب و لم تزل تنتقل من يد إلى أخرى و الناس يقرؤونها حتى وصلت إلى يدي فلما فرغت من دروسي و رجعت إلى بيتي كلمني الحاج عبد الحميد الدهان بالهاتف و قال لي: إن مدير الأوقاف دعاني إلى نكتبه فلما حضرت عنده تكلم بكلام قبيح لا أريد أن أذكره لك, فقلت له: و أنا أيضا كتب إلي يأمرني بالتخلي عن عملي في المسجد فقال لي: استمر على عملك و اترك الأمر لي فقلت له: و على هذا أنا عازم أيضا .
تم بحمد لله
يتبع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق