الخميس، 18 مايو 2017

مقالات رمضانية (٢)

                             (( شَهْـرِ رَمَضَان مِنةٌ عُظْمَى))

الشيــــــــــــــــخ / _
عبدالرزّاق البدر حفظه الله

☆لقد أنعم الله على عباده بنعمٍ كثيرة لا تحصى ولا تعد ،
{  وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم:34] ،

- نعَمٌ مطلقة ونعَمٌ مقيدة ،
- نعَمٌ دينية ونعَمٌ دنيوية ،
دلَّ العباد عليها وهداهم إليها ودعاهم إلى دار السلام ،
{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [يونس:25] ،
وعافاهم في عقولهم وأبدانهم
ورزقهم من الطيبات ،
وسخَّر لهم ما في السموات وما في الأرض ؛
وكل هذا الإنعام منه سبحانه ليشكره العباد ويعبدوه وحده لا شريك له ،
لينالوا مرضاته ويفوزوا بمنَنِه ورحماته .

وإن من عظيم هباته وجزيل نعمائه على عباده المؤمنين ؛
أن شرع لهم صيام شهر رمضان المبارك ،
وجعله أحد أركان الدين العظام ومبانيه التي عليها يقوم ،
ولما كان صيام رمضان من النعم العظيمة التي منَّ الله بها على عباده ختم الله الآيات التي أمر فيها بصيام شهر رمضان بقوله تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] ؛
لأن الشكر هو الغاية من خلقه للخلق وتنويعه للنعم .

=>> وأصلُ الشكر وحقيقته :

[ الاعتراف بإنعام المنعِم على وجه الخضوع له والذل والمحبة ،
• فمن لم يعرف النعمةَ بل كان جاهلاً بها لم يشكرها ،
• ومن عرفها ولم يعرف المنعِمَ بها لم يشكرها أيضاً ،
• ومن عرف النعمة والمنعِم لكن جحدها كما يجحد المنكرُ لنعمة المنعِم عليه بها فقد كفَرَها ،
• ومن عرف النعمة والمنعِم وأقرَّ بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضَ به وعنه لم يشكرها أيضاً ،
• ومن عرفها وعرَف المنعِم بها وخضع له وأحبّه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته ،
فهذا هو الشاكر لها "(1) اهـ.

وبهذا يتبين أن :
[ الشكر مبنيٌّ على خمس قواعد :
_① خضوع الشاكر للمشكور ._
_② وحبّه له ._
_③ واعترافه بنعمته ._
_④ وثناؤه عليه بها ._
_⑤ وأن لا يستعملها فيما يكره ._
فهذه القواعد الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها ،
فمتى عدِم منها واحدةٌ اختل من قواعد الشكر قاعدة ،
وكلُّ من تكلم في الشكر وحدّه فكلامه إليها يرجع وعليها يدور ].(2).

والناس متفاوتون تفاوتاً عظيماً في تحقيق الشكر لتفاوتهم في العلم بموجباته ؛
بمعرفة الخالق الجليل والرب العظيم والمنعم الكريم :

• فمنهم => من عرف الله بتفاصيل أسمائه وصفاته وأفعاله وبديع مخلوقاته ومفعولاته وجميل آلائه وهباته :
- فامتلأ قلبه حباً له ،
- ولهج لسانه بالثناء عليه ،
- ولانت جوارحه قياماً بما يرضيه ،
- واعترف له بكل نعمه التي أنعم بها عليه وسخرها في ما يحبه ويرضاه .

• ومنهم => من دس نفسه بالغفلة عن الله والجهل به
فلم يزدد من الله إلا بعداً :
- بجحوده وإنكاره ،
- أو باعترافه به وعدم الانصياع لأمره والانقياد لشرعه .

_< وشهر رمضان المبارك >_
منحةٌ إلهية وهبةٌ ربانية للعباد
ليزداد الذين آمنوا إيماناً ،
وليتوب من كان مفرِّطاً ومقصِّراً،

ولقد اختص الله هذا الشهر بخصائص وميَّزه بمزايا انفرد بها عن سائر الشهور ،
ولنقِف على بعضها لندرك عظمة هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا لنشكره حق الشكر ونعبده حق العبادة:

《☆》إن لشهر رمضان الكريم - شهر الصوم - خصوصية بالقرآن ؛ فهو الشهر الذي أُنزِل فيه القرآن الكريم هدى للناس ،
قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة: 185] ،
فقد امتدح الله تعالى في هذه الآية الكريمة شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره لإنزال القرآن العظيم ،
بل قد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء .

ففي المسند للإمام أحمد والمعجم الكبير للطبراني من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ،
وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ،
وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ،
وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ))(3) ؛
فهذا الحديث يدل على أن شهر رمضان هو الشهر الذي كانت تنزل فيه الكتب الإلهية على الرسل عليهم السلام،
إلا أنها كانت تنزل على النبي الذي أنزلت عليه جملة واحدة ،
وأما القرآن الكريم فلمزيد شرفه وعظيم فضله فإنما نزل جملةً واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ،
وكان ذلك في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك كما قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1] ،
وقال سبحانه : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } [الدخان: 3] ،
ثم بعد ذلك نزل مفرَّقاً على مواقع النجوم يتلو بعضه بعضاً .

وفي هذا دلالةٌ على عِظَم شأن شهر الصوم - شهر رمضان المبارك - وأن له خصوصية بالقرآن الكريم ؛
إذ فيه حصل للأمة من الله هذا الفضلُ الكبير، نزولُ وحيه العظيم، وكلامه الكريم المشتمل على الهداية { هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } الهداية لمصالح الدين والدنيا ،
وفيه تبيان الحق بأوضح بيان ،
وفيه الفرقان بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والظلمات والنور .

《☆》ثم إن شهر رمضان فيه ليلة القدر التي قال الله عنها: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر: 2-3] ،
- - أي : العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهرٍ سواها ، وكذا الأجر .

《☆》وصيام هذا الشهر سببٌ لمغفرة الذنوب ؛
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) (4)
- - أي : إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم عليه واحتساباً لثوابه وأجره ،
ولم يكن كارهاً لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره ؛
فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه .

وفي مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( • الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ،
    • وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ،
    • وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ،
مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)) (5) .

《☆》إضافةً إلى ما تقدم ذِكرُه :
فإن من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ،
وأنه تصفَّد فيه الشياطين ،
وتُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار ،
ولله في هذا الشهر عتقاء من النار وذلك كل ليلة .

《☆》وفي هذا الشهر المبارك :
• نصَرَ الله المسلمين على أعدائهم المشركين في غزوة بدر الكبرى ، وكان عدد المشركين في تلك الغزوة ثلاثة أضعاف المسلمين ،
• وفيه فتح الله مكة المكرمة البلد الآمن على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطهَّرها من الأصنام ، وكان عدد الأصنام في البيت وحوله ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحطم هذه الأصنام ويقول: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء:81] ،
• فهو شهر الجدِّ والنشاطِ والعمل ،
• شهر العبادةِ والجهادِ في سبيل الله ؛
فحقيقٌ بشهرٍ هذا فضله وهذا إحسان الله على عباده فيه أن يعظِّمه العباد ،
وأن يكون موسماً لهم للعبادة وزاداً ليوم المعاد .

اللهم اجعلنا ممن يعرِف لهذا الشهر مكانته وحُرْمَتَه ،
ووفِّقنا للقيام فيه بما يرضيك إنك سميع الدعاء .

اللهم وفِّقنا لطاعتك ،
وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ،
ويسِّرنا لليسرى ،
وأتِمَّ علينا النعمة بالقيام بحق هذا الضيف الكريم ،
وأعنّا على صيامه وقيامه ،
وحُسن الأدب فيه يا رب العالمين.
---------------------------------

(1) طريق الهجرتين لابن القيم (ص: 175).

(2) مدارج السالكين لابن القيم (2/244).

(3) مسند أحمد (4/107 رقم: 16921).
والطبراني (17646) ،
واللفظ للإمام أحمد.

(4) متفق عليه ؛
البخاري (2014) ،
مسلم (760)

(5) مسلم (233).
ৡ﹏﹏﹏﹏﹏﹏  ﹏﹏﹏﹏﹏﹏ৡ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق