الثلاثاء، 23 مايو 2017

فقه مسائل التزكيات

فقه المسائل
هل يلزم للداعية تزكيه علمية أثناء قيامه بالدعوة إلى الله أو تعليمه للعلم؟
الجواب: أولا يجب أن نعرف الفرق بين التزكية الشرعية والتزكية العرفية فالتزكية الشرعية هي التي عول عليها الشارع ويعنى بها استقامة الشخص على دين الله وطاعة أمر الله ورسوله واجتناب ما حرم الله ورسوله والاشتغال بنوافل العبادات والزهادة في المكروهات والابتعاد مما يخرم المروءة ويخدش الحياء وهي التي يشترطها رواة الأحاديث في قبول رجال الإسناد ويطلقون عليها وصف(( العدالة )) أي عدالة الراوي وهي استقامة الدين والمروءة وهذه التزكية هي التي يرتب عليها الثواب والعقاب ولأجلها نصبت الموازين وحوسب الخلائق في عرصات القيامة وبها عرف اصطحاب النعيم من أصحاب الجحيم ومن أدلة هذا القسم قوله تعالى: { قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى } [سورة الأعلى 14-15] قال ابن كثير: ((أي طهر نفسه بلا إله إلا الله والصلوات الخمس)) اهـ، وقال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: 9] قال في ((أيسر التفاسير)) (ج5 ص576): ((أي فاز بدخول الجنة والنجاة من النار من طهر نفسه من الذنوب والآثام)) اهـ، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النساء: 49] قال الشوكاني في ((تفسيره)) (ج1ص430): ((ذلك إليه سبحانه فهو العالم بمن يستحق التزكيه من عباده ومن لا يستحقها)) اهـ، وقوله تعالى: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم: 32] فتزكية الله الشرعية لعباده هي الأساس وعليها يدور الرحى وجاء في السنة النبوية الشريفة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة، قال: ((نعم)) قال: والله لا أزيد على ذلك شيئا. الحديث أخرجه مسلم، فجعل ثمرة عمله الفلاح الأبدي وهي تزكيه بينه لسلوك ذلك الرجل ثمرتها كانت الجنة وعند مسلم قال عليه الصلاة والسلام: ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)) وعنه صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري، فالشأن كل الشأن هي نيل التزكية الربانية الشرعية فمن استقام على رسم الشريعه فهو المزكى عند ربه .وما عداها من التزكيات يكون مبناها على التزكية الشرعية وهي أي التزكية الشرعية شرط أساس للدعوة والتعليم وهي قريبه من شرط الصحة .
القسم الثاني: التزكية العرفية وهي ما تعارف عليها الناس اليوم وهي شهادة بشريه شفهية أو مكتوبة يصدرها العارف بالشخص المزكي وحكمها حكم الشهادة فتكون مشاعة يعرفها العالم وغير العالم كل بحسبه وشرطها أن تكون مبنية ومتفرعة عن التزكية الشرعية وهي شهادة حق يدلي بها الشاهد والمزكي أمام الله وأمام الناس ويحرم كتمانها قال الله تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ، وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ولا يحيف المرء في شهادته قال عليه الصلاة والسلام: ((المستشار مؤتمن)) وهذه التزكية شرط كمالي لا أساس للداعية فكم من شخص حصل على حزم من التزكيات الشفهية والمرقومة فلم تنفعه قلامة ظفر فهذا سلمان العودة زكاه كبار العلماء الكبار كابن باز وغيره وعدنان عرعور زكاه الألباني فهل نفعتهم تلك التزكيات؟ اللهم لا ولهذا العلماء والمصلحين لم يكونوا يحرصون عليها لأن دورها دور اطمئناني لا غير فان كان الشخص لا يمكنه معرفة الداعية إلا بالتزكية المكتوبة فله ذلك أما الشخص الذي عرفت أمانته واستفاضة عدالته الشرعية واشتهر بالصدق بين أقرانه وبان علمه وديانته فيحرم على من عرفه أن يشغب عليه وأن يغلو فيها ليجعل التزكية العرفية هي الأصل والتزكية الشرعية هي الفرع فاشتراطها مظهر من مظاهر الغلو ولو طبق هذا الشرط لعرقل سيرا لدعوه السلفية لأن أكثر القائمين بالدعوة من أهل الحسبة لا يعرفهم العلماء وانأ منذ وعيت لم أسمع عالما واحدا يمنع أحدا من الدعوة إلا بتزكية علمية وإنما يحسنون الظن بالمسلمين حتى يبدر منهم ما يستوجب محاسبتهم والأمانة العظمى والمسئولية الكبرى تلقى على عاتق من عرف فكتم واليك رأي العلماء في بيان حكم التزكية العرفية.
وقد عقد الخطيب في ((الكفاية)) (ص 286) بابا لطيفا، بعنوان (باب في أن المحدث المشهور بالعدالة والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المعدل) وبعد أن ذكر جملة من علماء الحديث والسنة، قال: ((ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر، واستقامة الأمر، والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم، لا يسأل عن عدالتهم، وإنما يسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين، أو أشكل أمره على الطالبين)) اهـ.
ونحو هذا الكلام ما جاء عن الشيخ عبد المحسن العباد في ((شرح سنن ابن ماجه)) ( في الشريط رقم 284 )؛ حيث قال: ((لكن إذا كان مجهول أمره، والناس غير مرتاحين له، وأرادوا أن يتعرفوا، وهو مجهول عندهم، وأرادوا أن يعرفوه عن طريق بعض الناس المعروفين الذين أتى بشيء يبين أنه أهل، وأنه يستفاد منه هذا، وإلا إذا كان الإنسان عنده قدرة، وعنده تمكن، ولا يكون عنده محذور، يجوز وإن لم يكن معه تزكية)) اهـ.
وقال الشيخ عبيد الجابري في شريط ((اللقاء المفتوح الثالث مع أهل ليبيا)) بتاريخ 29 محرم 1433هـ: ((يحتاج إلى التزكية المجهول، سواء كان وافدا على القطر أو في قطره، أما من عرف؛ فإن كان خارج قطره، والعلماء علموا أنه يدرس، وأنه يلقي الدروس من الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح فهذا لا مانع أن يدرس، إن شاء الله تعالى، وكذلك لا مانع من الجلوس إليه حتى يجرحَه علماء القطر)) اهـ.
وما أجمل كلام الشيخ سليمان الرحيلي كما في الشريط الثامن من دورة: ((المعاملات المالية في الإمارات)) على الرابط التالي: http://goo.gl/iPySyE ) في هذا، حين قال: ((وليس كلُّ طالبِ علمٍ نافعٍ يعرفُه العلماء، ولكنْ يُنظرُ في علمِه الذي يبُثُّه، هل يُعلِّم السنة؟، هل يحترم آراء علماء السنة؟، هل ينقُل كلام علماء السنة؟ فإنْ كان ذلك كذلك فقد زكَّاهُ علمُه، ويُؤخذ عنه العلم. والقول بأنَّه لا يؤخذ العلم إلا عمَّن زكَّاه العلماء نصًّا يَسُدُّ بابَ الخير. فكثير من البُلْدَان فيها طلاب علم يُعلِّمون السنة، وشروح أهل السنة، ويُعلِّمون بحَسَبِ ما تعلَّموا، ولكنَّهُم لا يحمِلُون تزكيةً من عالم معين، لكنْ لم يُعْرَفْ عليهم ما يَجْرَحُهُم في علمهم . فإذا قلنا: (إنه لا يؤخذ العلم عنهم)، لن يبقى علمٌ في كثيرٍ مِن البُلْدَان، وسيُسَدَ باب الخير، ويقوم أهل البدع ويدرِّسُون، وأهلُ السنة يكُفُّون، ويُصبح أهلُ السنة يتعلمون مِن أهل البدع، أو يتعلمون من الإنترنت أو غيرِه، وهذا لا يصح ولا يستقيم)) اهـ.
وقال الشيخ محمد بن هادي في ((تسجيل صوتي بتاريخ 6 / ذو القعدة / 1433هـ)) على الرابط التالي:
( http://goo.gl/tKSAIt )
(( السّائل: بعض إخواننا -شيخَنا- غير معروفين بهذا، مثلاً، قد درس، وعُرف بين إخوانه بالعقيدة الصّحيحة، والمنهج السّليم، وإخواننا يعرفون أنّ تدريسه فيه خير كثير، والعُلماء لا يعرفونه، فكيف نستطيع أن نتحصّل له على تزكية في هذه الصّورة؟
هذا يكون بمسلكين:
المسلك الأوّل: الاشتهار بالعِلم، والتّدريس، والقعود للنّاس في هذا الباب.
الثّاني: التّزكية.
فإذا لم يكُن معروفًا، ولم يكُن مُزكّى، هذا لا يكون أهلاً للفتوى مهما كان، أمّا إذا اشتهر بين النّاس بالعِلم وبالتّعليم والاجتهاد في ذلك وعُرف به هذا كافٍ لأهل بلده.
السّائل: هُو ليس له تزكية، حتّى في مسألة التّدريس ليس عنده تزكية من أهل العلم في التّدريس أصلاً؟
ما يُؤخذ إلاّ عمّن عُرف، واشتهر بذلك، أو شهِد له أهل العلم بذَلك، هذا لابُدَّ منه.
السّائل: إذا عُرف بصحّة العقيدة، والمنهج، ولم يعرفه أحدٌ من العلماء، وشهد له باقي إخوانه بصحّة العقيدة والمنهج؟
قال: الاشتهار، يقصدون به الاشتهار في القُطر الذي هُو فيه، يشهد له النّاس بالعِلم والمعرفة)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه✍🏻 أبو حمزة زاهد الساحلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق