بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
في شرح الأريعين النووية
(الحديث الثالث)
للشيخ يعقوب البنا حفظه الله
في مجموعة : تعليم السنة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ويضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
(يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد: فالحديث الثالث في الأربعين النووية هو
حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال سمعت رسول ( يقول : «بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمَّدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» هذا الحديث فيه ذكر دعائم الإسلام، ومبانيه العظام، فإذا أتى العبد بهذه المباني الخمس العظام فقد حقق الإسلام، وكان له عهد عند الله عز وجل أن يدخله الجنة، والإسلام المقصود في الحديث هو الإسلام الذي جاء به نبينا محمدٌ(؛ الإسلام هو الإستسلام لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك كما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الإسلام أي أن يستسلم العبد لربه استسلامًا شرعيًا هذا هو الذي يُحمد عليه العبد، ويُثاب عليه، أما الاستسلام الكوني، والقدري فالكل يدخل فيه ويشمل الجميع ، يشمل المؤمن والكافر، البر والفاجر، ، بل يشمل كل من في السماوات ومن في الأرض فالجميع مستسلم لله عز وجل ولأمره الكوني والقدري فهذا الإستسلام لا ثواب فيه لأن الإنسان ليس له حيلة في ذلك؛ ولهذا قال الله عز وجل: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا، وكرهًا، وإليه يُرجعون) هذا هو الإستسلام الكوني والقدري في الآية .
والإسلام أيضًا له مفهوم آخر بمفهومه الخاص، وبمفهومه العام؛ الإسلام بمفهومه الخاص: هو الإسلام الذي جاء به نبينا محمدٌ(، أما بمفهومه العام: هو دين الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم على دين واحد، على دين الإسلام: قال الله تعالى (إن الدِّين عند الله الإسلام) ، وأيضا قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: (ما كان إبراهيم يهوديًا، ولا نصرانيًا، ولكن كان حنيفًا مسلمًا، وما كان من المشركين) ، وقال أيضا (ربنا واجعلنا مسلمين لڪ ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لڪ) في دعاء ابراهيم وأيضًا قال الله عز وجل: (هو سمَّاكم المسلمين من قبل) هذا بمفهومه العام، فالإسلام العام هو الذي جاء به النبيون، والمرسلون فيشترك مع الإسلام الخاص الذي جاء به نبينا محمد( في أمر التوحيد، والعقيدة، أما من حيث الشريعة فشريعة النبي( ليست كشريعة موسى عليه السلام وليست أيضا كشريعة عيسى عليه السلام فالشرائع تختلف يقول الله عز وجل ( لِڪُلٍّ جَعَلْنَا مِنْڪُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)
أيها الإخوة! الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، أولا نأتي إلى الشهادة الاولى ، "لا إله إلا الله"، هذه الشهادة شهادة عظيمة وهذه الكلمة كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة من أعظم الكلمات، ومن أهمِّ الكلمات، ومن أجلِّ الكلمات ، ومن أول الكلمات ؛ من نطق بها، وأتى بحقِّها دخل الإسلام، ومن مات عليها مُوقنًا بها دخل الجنة، هذه الكلمة العظيمة هي كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص، هذه الكلمة هي الكلمة التي جاء نبينا محمد؛ بقي يدعو إليها أهل مكة ثلاث عشرة سنة ، هذه الكلمة هي الكلمة التي جاء بها النبيون، والمرسلون من عند الله عز وجل . من أجل هذه الكلمة بعث الله عز وجل الرسل، وأنزل الكتب، ومن أجل هذه الكلمة نَصَبَ الأقوام لرسلهم العداء والبغضاء والرسل والأنبياء افتتحوا دعوتهم بهذه الكلمة الطيبة ، أوَّل ما بدأوا أقوامهم بدأوا بهذه الكلمة "لا إله إلا الله"، وبهذه الشهادة، ولهذا قال الله عز وجل عن نوح عليه السلام: (لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، وقال عن هود عليه السلام (وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، وقال عن صالح عليه السلام (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وقال عن شعيب عليه السلام ( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) انظر نفس الكلمات (اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيرُه) ، فما بعث الله عز وجل من نبيٍ، ولا رسول إلا بهذه الكلمة، فهم متفقون على هذه الكلمة، ومتفقون في دعوتهم: يقول تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، ويقول : (ولقد بعثنا في كل أمة) في كل أمة أي في كل طائفة، وجماعة (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) .
هذه الكلمة في الحقيقة هي أول الكلمات في الدعوة، وأول الحقوق، ولهذا هذه الشهادة كانت أول أركان الإسلام لأهميتها .
أيضًا ربنا سبحانه وتعالى لما ذكر آية الحقوق هناك آية تسمى عند العلماء بآية الحقوق العشرة، جمعت عشرة حقوق في آية واحدة هذه الآية في سورة النساء، بدأ الله عز وجل بحقه سبحانه وتعالى ، ثم ذكر حق الوالدين وبعد ذلك ذكر بقية الحقوق يقول الله عز وجل : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وبالوالدين إحسانًا، وبذي القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم) .
وأيضا لما بعث النبي( معاذًا إلى اليمن أمره أن يدعو أولا إلى هذه الكلمة الطيبة كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ؛ قال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله»، وفي رواية: «إلى أن يوحِّدوا الله» أول ما أمره أمره بالتوحيد ،هذا أول أمر ثم قال: «فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة» تَدرُّج في الدعوة الأهم فالأهم ، ولهذا لو فتحت المصحف وتأمَّلت فيه لوجدت أن أول أمرٍ في كتاب الله الأمر بالتوحيد وبهذه الكلمة الطيبة ، وذلك في قوله جلا وعلا : (يا أيها الناس اعبدوا) هذا أول أمر؛ اعبدوا أول أمر (اعبدوا ربكم الذي خلقكم، والذين من قبلكم لعلكم تتقون) .
في الحقيقة نجد أن بعض المسلمين لم يُدرك معنى هذه الشهادة، وهذه الكلمة إدراكًا صحيحًا. البعض يظن أن معنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مُدَّبر إلا الله. لا.. ليس معنى لا إله إلا الله هذه المعاني.
هذه المعاني صحيحة: لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مدبر، ولا محيي، ولا مميت إلا الله لكن ليس معنى لا إله إلا الله هذه المعاني، وإنما معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحقٍ إلا الله، ما معنى هذه الكلام: لا معبود بحقٍ إلا الله معناه أنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله وحده يقول الله عز وجل (ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل) ، ولهذا تقول: "لا إله إلا الله وحده" تأكيد أنه جلا وعلا هو المستحق للعبادة، تقول بعد ذلك "لا شريك له" تأكيد أن ما سواه لا يستحقون العبادة .
ولهذا هذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله" فيها نفيٌّ، وإثبات فالنفي والإثبات ركنا لا إله إلا الله.
نفي العبادة عما سواه جلا وعلا ، وإثبات العبادة لله. ما معنى هذا الكلام؟ يعني نحن لا نعبد أحدًا إلا الله عز وجل، نفي العبادة عما سواه، وإثبات العبادة له جلاوعلا وهذا المعنى في القرآن الكريم كثير أي الإثبات والنفي قال تعالى : (فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله) لابد من الأمرين، لا يكفي أن يقول الإنسان : أنا أعبد الله ثم يسكت لأن قوله أنا أعبد الله لا يلزم منه إفراده جلا وعلا بالعبادة . فلا يصلح هذا كما أنه يقول أنا أعبد لله عز وجل ، أيضًا لا بد أن يقول وأكفر بما يُعبد من دونه؛ ولهذا يقول الله (فمن يكفر بالطاغوت) هذا نفي، (ويؤمن بالله) هذا إثبات .
وأيضا قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام : (وإذ قال إبراهيم لأبيه، وقومه إنني برآء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين( (إنني براء مما تعبدون) هذا نفي (إلا الذي فطرني) إثبات
وفي آية أخرى قال: (أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدُوٌ لي إلا رب العالمين) (فإنهم عدو ليٌ) نفي وبراءة ( إلا رب العالمين) إثبات العبادة لله جلا وعلا .
(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا(، واعبدوا الله هذا إثبات ولا تشركوا به شيئا نفي
وأيضا قال ( الذين ءآمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) الذين آمنوا هذا إثبات ولم يلبسوا إيمانهم بظلم هذا نفي والآيات في هذا المعنى في الإثبات والنفي كثيرة جدا .
الذي أشكل على بعض الناس أيها الإخوة أنهم ظنوا أن العبادة مقتصرة فقط على الركوع، والسجود، والصلاة، والزكاة، والحج، والصوم؛ هكذا ظنوا أنها مقتصرة على هذه ، لا تجد أحدا ممن يقول أنا مسلم يركع لغير الله، أو يسجد لغير الله، أو يصوم لغير الله لكنه لم يدرك أن الذبح عبادة لا يكون إلا لله، لم يدرك أن الاستعانة عبادة لا تكون إلا بالله ، وكذلك الاستغاثة، والنذر، والدعاء هذه عبادات عظيمة لا تكون إلا لله جلا وعلا . ظنوا أن العبادة مقتصرة فقط على الركوع، والسجود، والصلاة والصيام والزكاة والحج فتجد بعضهم يصرف العبادة لغير الله، كالنذر والذبح والإستعانة والإستغاثة والدعاء ولهذا قال الله عز وجل : (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) بعد ذلك قال: (إن الذين يستكبرون) لم يقل عن دعائي، وإنما قال عن (عبادتي) فسمَّى الدعاء عبادة فالدعاء عبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
تجد بعض الناس يحلف بغير الله ،هذا لا يجوز هذا محرم بل شرك. الحلف عبادة لا يكون إلا بالله عز وجل، وهكذا سائر العبادات لا تكون إلا لله عز وجل.
ثم الشهادة الثانية: «أن محمدًا رسول الله».
تحقيق هذه الشهادة بأن يعتقد المسلم بل ويخبر، ويُعلن أن محمدا رسولٌ من عند الله، وأن رسالته حق، وأنَّه أُوحي إليه من ربه، أي نزل عليه الوحي، وهو جبريل عليه السلام؛ فأخبر بما تكلم الله عز وجل به، فالنبي ( مبلِّغٌ عن ربِّه، ويعتقد المسلم أنه خاتم الأنبياء، والرسل لا نبي بعده، وينبغي للمسلم أن يعرف سيرة النبي(، ويعرف نسبه: فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي المكي، ولد بمكة، نسله من ولد إسماعيل عليه السلام، فهو من ذرية إبراهيم عليه السلام، له من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاثة وعشرون كان نبيًا، ورسولًا، نُبِّئَ بإقرأ، وأُرسل بالمدثِّر، بعثه الله عز وجل بالتوحيد، والنذارة عن الشرك، بقي في مكة يدعو أهلها إلى التوحيد، وإلى إفراده الله بالعبادة ثلاث عشرة سنة ، يدعو إلى الله تعالى ليلًا ونهارًا، وسرًّا، وجهارًا، يتتبع الناس في أنديتهم، ومجامعهم، ومواسمهم، ومواقف الحجّ، يدعو كل من لقيه من حُرٍّ وعبد، وغني وفقير، وضعيف وقوي، يدعو الناسَ كلهم عربهم، وعجمهم، وأبيضهم، وأسودهم بل بُعث إلى الإنس والجن، فنشهد أنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وأكمل الله عز وجل به الدين، وترك الأمة على البيضاء نقيَّة «ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».
وهذه الشهادة لها مقتضيات؛ أولًا: التصديق بما أخبر به عليه الصلاة والسلام، فمن الناس يقدِّم العقل على النصوص، نصوص الكتاب، والسنة، فالمسلم خبر النبي عليه الصلاة والسلام ولا يقدم عقله على خبره صلى الله عليه وسلم ، ثانيا طاعة النبي( في كل أمرٍ أمرك، ثالثا اجتناب ما نهى عنه وزجر، رابعا أن تعبد الله عز وجل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم جاءت الصلاة بعد الشهادتين، وهذا والله يدل على عظم منزلة الصلاة في ديننا، لاسيما أنها فرضت ليلة المعراج في الملأ الأعلى، ، وهي عماد الدين، وعمود الإسلام، وجُعلت قرة عين النبي( فيها، وهي من آخر وصايا النبي( «الصلاةَ الصلاة، وما ملكت أيمانكم»، الصلاة صلَّةٌ، ومناجاةٌ بين العبد وربه.
أمر الصلاة أمرٌ عظيم؛ أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر العمل، وإن فسدت فسد سائر العمل. فمدار صلاح الأعمال على الصلاة إن صلحت الصلاة فقد أنجح، وأفلح، وفاز، وربح، وإن فسدت خاب، وخسر، والعياذ بالله.
من جاء بهن خمس صلواتٍ في اليوم، والليلة كتبهن الله عز وجل على العباد لم يضيِّع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عهدٌ عند الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عهد عند الله عز وجل إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة كما جاء في الحديث
وأيضا «من حافظ على الصلاة كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ، ولا برهانٌ، ولا نجاةٌ يوم القيامة».
من استكثر من الصلاة رافق النبي(.
الركعتان منها، أي من نفلها خيرٌ من الدنيا وما فيها.
السجدة منها ترفعك درجة، وتحطُّ عنك خطيئة، وتكتبك لك حسنة.
من أسبغ وضوءَها، واستحضر قلبه فيها خرج منها مغفورًا له كيوم ولدته أمه.
الصلاة لها منزلة عظيمة وشأن كبير في حياة المسلم، وقد اتفق العلماء قاطبةً على قولٍ واحد: أن تارك الصلاة جاحدًا كافر. جاحدًا: يعني منكرًا لها فمن ترك الصلاة جاحدا كفر لا خلاف بين العلماء، إنما وقع الخلاف إن تركها تكاسلًا، وتهاونًا فمن العلماء من كَفَّر تارك الصلاة تهاونًا، وتكاسلًا، إذًا الأمر خطير، والذنب عظيم يا من تركت الصلاة
فالحذر، الحذر أن تكون تاركا للصلاة فترك الصلاة كفر لأن النبي( قال كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه : «بين الرجل، وبين الكفر والشرك ترك الصلاة».
وثبت في السنن عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وعند أحمد في مسنده عن بُريدة رضي الله عنه عن النبي(: «العهد الذي بيننا، وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
وعند الترمذي عن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي المتفق على جلالته؛ يقول: كان أصحاب محمدٍ( لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفر غير الصلاة.
يقول ابن المبارك –رحمه الله تعالى-: من أخَّر صلاةً حتى يفوتَ وقتُها فقد كفر أي أخرها إلى أن خرجت من وقتها متعمدا وليس له عذر شرعي .
ويقول إسحاق بن راهوية رحمه الله تعالى-: صح عن رسول الله( أن تارك الصلاة كافر.
عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول، وهو في النزع الأخير لما طُعن: "لا إسلام لمن ترك الصلاة".
إذًا من حفظها وحافظ عليها فقد حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لمن سواها أضيع.
يقول عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: "من ترك الصلاة فلا دين له".
ولهذا توعد الله عز وجل لا أقول لمن ترك الصلاة بل توعد لمن أخَّر الصلاة عن وقتها فكيف بمن ترك الصلاة ؟! قال تعالى (فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) يصلُّون لكنهم يؤخرونها عن وقتها، ولهذا قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- لأبيه: يا أبتاه! أرأيت قول الله: (الذين هم عن صلاتهم ساهون(، أيُّنا لا يسهو، أيُّنا لا يحدث نفسه؟! قال: لا.. إنه ليس ذلك، ولكن إضاعة الوقت. أي: إضاعة وقت الصلاة.
وأيضا قال الله عز وجل: (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا( أضاعوا الصلاة:كيف ضيعوها ضيَّعوها بتأخيرها عن وقتها – لماذا أخروها ؟- لأنهم اتبعوا الشهوات، من أجل دنيا، ومن أجل المال، والتجارة ومن أجل اللعب، واللهو أخَّروا الصلاة عن وقتها، (فسوف يلقون غيًا( هذا هو الوعيد .
يقول عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: إنما أضاعوا المواقيت، ولو كانت تركًا للصلاة لكان كفرا ؛ وقال رحمه الله أيضا أخروا الصلاة عن ميقاتها ولو تركوها كفروا .
إذًا أيها الإخوة: الصلاةَ ، والمحافظة عليها خمس صلواتٍ في اليوم، والليلة.
والركن الثالث: «إيتاء الزكاة»:
وقد قرن الله عز وجل إيتاء الزكاة مع إقامة الصلاة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وهذا والله لا يدل إلا على أهمية الزكاة، وقد قاتل أبو بكر –رضي الله عنه- كل من امتنع عن الزكاة؛ فقد ثبت في البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال لما تُوفيَّ رسول الله( وكان أبو بكر؛ وكفر من كفر من العرب؛ قال عمر –رضي الله عنه- كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله(: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله، ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله» يعني من قال: لا إله إلا الله لا تجوز مقاتلته، أي أن عمر رضي الله عنه يقول كيف تقاتل من امتنع عن الزكاة، وقد قال: لا إله إلا الله". فقال أبو بكر –رضي الله عنه-: "والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة، والزكاة" فإن الزكاة حق المال، "والله لو منعوني عَناقًا"، العَناق: الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة قال "والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله( لقاتلتهم على منعها"؛ قال عمر -رضي الله عنه-: "فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله عز وجل صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
أيها الإخوة ربنا جلا وعلا خلق العباد ليبتليهم ويمتحنهم وهذه الأركان متنوعة .
فالعبادات منها ما هي عباداتٌ بدنية محضة كالصلاة، والصيام ، وما هي مالية محضة كالزكاة، وما هي مشتركة بدنية مالية كالحج؛ فمن الناس من لديه الاستعداد التام أن يصلي ألف ركعة لكن لا تقل له أخرج درهمًا واحدًا وتصدق به ، وهذا امتحان، واختبار من الله عز وجل.
ومن الناس من لديه الاستعداد التام ليدفع الأموال الطائلة لكن ليس لديه أيُّ استعدادٍ لئن يصلي ركعة واحدة، لا تقل صل فإنه لن يستجيب لكن لو قلت له ادفع كذا وكذا فإنه سيدفع فلهذا كانت العبادات متنوعة ليعلم الله عز وجل من يمتثل لأمره، ومن لا يمتثل لأمره.
أما من ترك الزكاة جحودًا أي منكرًا لها: يكفر كما تقدم معنا في الركن الثاني، كذلك من ترك الصيام أو ترك الحج.
أما من ترك الزكاة بخلًا، وشحًّا، وتهاونًا منه، وكسلا فالصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يكفر، لكن أتى بكبيرة من الكبائر قد توعد الله عز وجل تارك الزكاة بوعيد شديد؛ يقول الله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون( وبيَّن عليه الصلاة والسلام كيف يُكوى مانع الزكاة كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدِّي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار يُحمى عليها في نار جهنم فيُكوى بها جبينه، وجنبه، وظهره -في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة- كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى جَنَّة، وإما إلى نار» هذه الكلمة الأخيرة «إما إلى جنة، وإما إلى نار» استدل بعض العلماء على أن تارك الزكاة بخلًا، وشحًا لا يكفر . بعد العذاب أي بعد أن يكوى إما إلى جنة، وإما إلى نار. لو كان كافرا لدخل النار وخلد لا يدخل الجنة لكن هنا قال إما إلى جنة وإما إلى نار
والمسلم الموحد ، ولو عذِّب في النار فمآله إلى الجنة، أما الكافر يُخلَّد في نار جهنم أبد الآبدين.
وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام كما جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «من آتاه الله مالًا فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع» هذا المال الذي كنزه يحوَّل إلى شجاع أقرع؛ الشجاع: الحيَّةُ الذكر. أقرع: أي تمعَّط، وتقرَّع رأسُهُ، وتساقط شعره لكثرة سُمِّه، وطول عمره «له زبيبتان» أي نقطتان سوداوان على عينه «يأخذ بلهزمتيه» من هنا من بشدقيه «فيقول: أنا مالك، أنا كنزك » ثم تلا عليه الصلاة والسلام: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرُّ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ( ؛ يتحول هذا المال إلى ثعبان يُطوِّقه ، وأيضًا لما أتت امرأة من أهل اليمن إلى رسول الله(، وبنتًا لها، وفي يدها في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب –أي أسورة من الذهب - فقال عليه الصلاة والسلام لها: «أتؤدِّين زكاة هذه» قالت: لا. فقال عليه الصلاة والسلام: «أيسُرُّك أن يسورك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نار» فخافت المرأة، فخلعتهما، وألقتهما إلى رسول الله(، وقالت: هما لله ولرسوله ، وعند أبي داود حديث عائشة تقول رضي الله عنها: «دخل عليَّ رسول الله ( فرأى في يديَّ فتختين من ورِق» الفتختان: الخواتيم الكبار التي تلبس في الأيدي، من ورق: أي من فضة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما هذا يا عائشة!» قالت رضي الله عنها : صنعتهن أتزيَّن لك يا رسول الله؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «هل تؤدِّين زكاتهن»، قالت: لا، (وما شاء الله). قال: «هو حسبك من النار».
إذًا أيها الإخوة: لا بد للمسلم الذي ملك المال، وبلغ عنده النصاب، وحال عليه الحول أن يُخرج زكاة ماله، لأن معنى الزكاة في اللغة: النماء، والزيادة. يكون نماء المال بإخراج الزكاة؛ المال ينمو، ويزداد، ويجعل ويطرح فيه البركة، بل يُطَّهر العبد نفسه من البخل، والشح بإخراج الزكاة .
فإذًا المسلم دائمًا يؤدي حق المال، ويؤدي حق الفقراء، ويُوصل الحقوق إلى أهلها وأصحابها.
ثم «صوم رمضان»: قد كتب الله عز وجل على عباده المؤمنين الصيام أيامًا معدودات شهرًا واحدًا كاملًا، وهو شهر رمضان إلَّا من كان مريضًا أو على سفر فعدةٌ من أيامٍ أخر بعد رمضان كما بين ربنا جلا وعلا في كتابه ، وتتعجب من الذين يتركون الصلاة، ويتهاونون بها كما بيَّنا أن تارك الصلاة تهاونًا، وتكاسلًا كافر عند بعض أهل العلم ،فهؤلاء تاركون للصلاة لكن لما يأتي رمضان تجد بعضهم يحافظ على الصيام ولا يصلي وبعضهم يصوم ويصلي فقط في رمضان وهذا خطأ ينبغي على المسلم أن يحافظ على هذه الأركان على الصلاة والصيام وبقية الأركان كلها فلا يجوز ترك الصلاة ولا ترك الصيام وكما تقدم معنا من ترك الصيام تهاونًا، وتكاسلًا فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يكفر وإنما أتى بكبيرة من كبائر الذنوب .
الحج: قد كتبه الله عز وجل على العباد، لكن على من استطاع إليه سبيلًا ، الاستطاعة المالية، والاستطاعة البدنية؛ فأما الاستطاعة المالية: الزاد، والراحلة، والإستطاعة البدنية: بأن يثبت على الراحلة ، وإذا لم يستطع الإستطاعة المالية فليس عليه حج حتى يرزقه الله المال فيحج به ويترك لأهلة ما يكفيهم حتى يرجع إليهم وإذا لم يستطع الإستطاعة البدنية وعنده الإستطاعة المالية ننظر إلى مرضه فإن كان مرضه مما يرجى برؤه نقول انتظر حتى يزول مرضه ويحج بعد ذلك وإن كان مرضه مزمنا لا يرجى برؤه أناب من يحج عنه أما من كان مستطيعا الإستطاعة المالية والبدنية ولم يحج فهذا لايجوز هذا محرم وهومتوعد بوعيد شديد يقول الله عز وجل (ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين(.
والقول الراجح فيمن ترك الحج وهو مستطيع لا يكفر وإنما أتى ذنبا كبيرا من كبائر الذنوب
وهذه كلمات موجزة في بيان هذه الأركان ومن أراد الإستزادة والتفصيل فعليه الرجوع إلى الكتب التي تبين صفة الصلاة والكتب التي تبين الزكاة وأنصبتها ومستحقيها وكل ما يتعلق بالزكاة وأيضا يرجع إلى الكتب التي تتعلق بالصيام ومفسداته ومبطلاته ومستحباته إلى آخره وكذلك الكتب التي تبين صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم .
أيها الأخوة! من أتى بأركان الإسلام فقد حقق الإسلام، ودخل الجنة بسلام.
جاء رجلٌ أعرابي فجثا بين يدي النبي(؛ أي وقع على ركبتيه؛ فقال: يا رسول الله! إن رسولك أتانا فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؛ فقال النبي(: «نعم»، فقال: فبالذي رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال آللهُ أرسلك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «نعم». ثم قال: إن رسولك أتانا فزعم لنا أنك تزعم أن علينا خمسَ صلواتٍ في اليوم، والليلة. فقال عليه الصلاة والسلام: «نعم». فقال: فبالذي أرسلك، آللهُ أمرك بهذا. قال: «نعم»، ثم ذكر الصيام، والزكاة، والحج، ثم وثب الأعرابي، وهو يقول للنبي(: هل عليَّ غيرُها، فيقول عليه الصلاة والسلام: «لا. إلا أن تطَّوع» فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحق لا أدع منهن شيئًا، ولا أُجاوزهن. أي أكتفي بهذه الفرائض، وبأركان الإسلام قال لا أدع منهن شيئًا، ولا أُجاوزهن، وفي رواية: والله لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه ثم ذهب .
فقال عليه الصلاة والسلام: «دخل الأعرابي الجنة إن صدق»، أو «أفلح إن صدق»، وفي رواية قال: «من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».
فمن أكتفى بالفرائض والإركان والواجبات واجتنب المحرمات دخل الجنة وهذه درجة المقتصدين ودرجة السابقين بالخيرات لا شك أنها أعلى منها وهي أن أصحابها يأتون بالفرائض والواجبات ويبتعدون عن المحرمات والآثام ويستزيدون في النوافل والمستحابات وهناك درجة ثالثة من أهل الجنة وهي درجة الظالم لنفسه فإن أصحاب هذه الدرجة عندهم ظلم لأنفسهم بترك بعض الواجبات والفرائض أو بارتكاب بعض المحرمات أو بالأمرين بترك بعض الواجبات وارتكاب بعض المحرمات فهولاء تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم ودخلوا الجنة وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم ثم دخلوا الجنة وقد يخرج البعض منهم بالشفاعة على كل حال هم من أهل الجنة لأنهم أهل توحيد
يقول الله عز وجل عن أهل الجنة ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها )
تأمل إلى قوله جلا وعلا يدخلونها فالأصناف الثلاثة كلها تدخل الجنة
فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها وان يجعلنا من السابقين بالخيرات
بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق