الأحد، 11 ديسمبر 2016

شرح الحديث الثاني :من الأربعين النووية للشيخ الفاضل:يعقوب البنا حفظه الله

                بسم الله الرحمن الرحيم

                       الدرس الثاني

  من شرح ڪتاب:  الأربعين النووية

للشيخ:  أبو سعيد يعقوب البنا حفظه الله تعالى

في مجموعة:  تعليم السنة حرسها الله تعالى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ويضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
(يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

أما بعد؛ فالحديث الثاني في الأربعين النووية: يُطلق عليه حديث جبريل، وكذلك يطلق عليه عند بعض العلماء: بأم السُّنة، كما أن الفاتحة: أم القرآن.

سمي بأم السنة؛ لأن جميع السنة تعود إليه وفيه بيان الشريعة: بذكر أركان الإسلام الخمسة، وبيان العقيدة: بذكر أركان الإيمان الستة، وبيان آداب السلوك، والعبادة، وتوجُّه القلب بذكر الإحسان، وأيضا فيه ذكر المغيَّبات، وأمارات الساعة. هذا هو الدين، ولهذا ذكر عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث، «هذا جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم».
يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: "بينما نحن جلوس عند رسول الله ( ذات يوم" أي في يوم من الأيام كانوا جالسين عند النبي(. "إذ طلع علينا رجل" يعني: دخل عليهم رجل، وهذا الرجل هو جبريل عليه السلام ، لكن جاء على صورة بشر؛ ولهذا قال : "شديدُ بياض الثياب، شديدُ سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد" يعني هذا الرجل غريب، مع ذلك لا يُرى عليه أثر السفر بدليل: بياض ثيابه، فثيابه ليست متسخة، وليس أشعث الرأس؛ بدليل: سواد شعره ، ولا مُغْبَر القدم؛ إذًا ليس عليه أثر السفر، ولا يعرفه منهم أحد، فهو غريب فأمرٌ يحير، ويتعجب منه المرء كيف كونه غريبا ولا يرى عليه أثر السفر ؟ الجواب لأنه نزل من السماء فهم لا يعرفون ذلك؛ قال "حتى جلس إلى النبي( فأسند ركبتيه إلى ركبيته" يعني جبريل ألصق ركبيته إلى ركبتي النبي(، فهو قريب منه (،وهذا فيه أدب عظيم من آداب طلب العلم وهو القرب من العالم في مجلسه قال "ووضع كفيه على فخِذَيه" هكذا ..؛ فقال: «يا محمد!» كالأعراب يأتون إليه النبي صلى الله عليه وسلم ينادونه باسمه ، قال «يا محمد! أخبرني عن الإسلام» يسأل النبي(، والنبي( يجيب: فقال «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا» هذه هي اأركان الإسلام الخمسة، وسيأتي بيانها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما . أجاب النبي( على السؤال بذكر أركان الإسلام . فقال: «صدقت»، لأن السائل يعلم الإجابة، فلهذا قال صدقت فهو لم يسأل لنفسه، وإنما سأل ليعلِّم الجالسين ، إذًا هنا فائدة التعليم بطريق السؤال . يقول عمر رضي الله عنه : "فعجبنا له يسأله ويصدقه" ثم قال : «أخبرني عن الإيمان» فبدأ النبي( يذكر أركان الإيمان، ولما يُذكر الإيمان، والإسلام في موضع واحد كما يقولون: "إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا" ما معنى هذا الكلام؟ أي إذا اجتمعا الإسلام، والإيمان في موضعٍ واحد كما في هذا الحديث، ذكر الإسلام، وبعد ذلك ذكر الإيمان، اجتمعا في موضعٍ واحد افترقا في المعنى، يعني الإسلام له أركانه؛ هذا معنى ، والإيمان له أركانه هذا معنى آخر، أركان الإسلام خمسة، وأركان الإيمان ستة، إذا اجتمعا افترقا، أي افترقا في المعنى وإذا افترقا اجتمعا، أي إذا ذكر أحدهما في موضع والآخر في موضع آخر فيدل كل منهما على الآخر وإذا ذكر الإيمان في موضع، ولم يذكر الإسلام فيشمل الإسلام وإذا ذكر الإيمان في موضع ولم يذكر الإسلام فإنه يشمل الإسلام.
والإيمان في الحقيقة معناه في اللغة: التصديق، الإيمان هو ما وقر في القلب، وصدقه العمل وفي الشرع هو اعتقاد بالجنان يعني بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، وهذا المعنى دل عليه حديث النبي( في الصحيحين؛ من حديث أبي هريرة: رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم «الإيمان بضعٌ وستون شعبة –وفي رواية سبعون شعبة- أعلاها قول: لا إله إلا الله» هذا نطق باللسان، «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» هذا عملٌ بالجوارح، والأركان «والحياء» قال: «شعبة من الإيمان» هذا هو عمل القلب .
ثم بيًن النبي( أركان الإيمان بقوله-: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن القدر خيره وشره».
وأعظم أركان الإيمان: الإيمان بالله؛ الإيمان بالله أولًا: يكون بوجوده سبحانه وتعالى فهو على عرشه مستو بائن من خلقه عال عليهم قال سبحانه (الرحمن على العرش استوى(.
والإيمان بربوبيته يكون بأن تفرد الله بالخلق، والملك، والتدبير، فهو الذي يحيي، ويميت، ويرزق، ويدبر ، وله ملكوت كل شيء، متفرِّد بأفعاله جلا وعلا ، ولم ينكر أحد من الكفار هذا الإيمان لا كفار قريش، ولاغيرهم من الكفار حتى في الأمم السابقة، لم ينكر أحد هذا الإيمان فالكل يعلم أن الله هو الخالق، والمالك، والمدبر، والرازق، والمحيي، والمميت قال الله عزوجل (ولئن سألتهم( يعني: يا محمد! إن سألت الكفار (من خلق السماوات والأرض ليقولنَّ الله( سيعترفون، ويقرُّون بان الله خالق السموات والأرض ، وقال تعالى في آية أخرى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله( يُقرُّون، ويعترفون بأن الله خلقهم ، لكن لا هذا يكفي، فهذا الإيمان لا يدخل العبد الإسلام ولا يخرجه من الكفر، يعني لو رأينا شخصًا مثلًا يقول: أنا أؤمن أن الله هو الخالق الذي خلقني، ورزقني، وأنه يملك السماوات، والأرض، ويدَبِّر، ويحيي، ويميت، ولكن يعبد غيره ، هل هذا مؤمن؟هل هذا ومسلم ؟ الجواب لا لا أحد يقول انه مسلم . إذًا هذا لا يكفي لا بد أن تعبد الله وحده، وهذا الإيمان، الذي هو الإيمان بربوبيته الله جلا وعلا لم ينكره أحد إلا القلة القليلة: كالدهرية، وأيضًا فرعون ؛ قال الله عزوجل عن فرعون: (أنا ربكم الأعلى( فهؤلاء الذين ينكرون ربوبية الله لا يقولون هذا عن اقرارة نفوسهم أي عن اعتقاد ، وإنما استكبارًا وجحودًا كما قال الله عز وجل عنهم: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسُهم ظلمًا، وعُلوًا(.
والإيمان بألوهيته جلا وعلا: أي أنه سبحانه وتعالى هو الإله الحق الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن ما سواه من الآلهةً آلهة باطلة لا تستحق من العبادة شيئًا يقول تعالى (ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل( فلهذا من أقرَّ أن الله هو الخالق، المالك، المدبر لابد أن يعبده ولهذا قال تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا( اعبدوا من؟ قال اعبدوا (ربكم الذي خلقكم( فالذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت هو المستحق للعبادة .
ثم الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العُلى: فنثبت ما أثبت الله عز وجل لنفسه في كتابه، وما أثبت النبي( لربه من أسماءٍ، وصفاتٍ في سنته الصحيحة من غير تكييف، ولا تحريفٍ، ولا تعطيل، ولا تمثيل يقول الله عزوجل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(.
الإيمان بالله يكون بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته؛ بأربعة أمور.
ثم الإيمان بالملائكة: قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته» .
الملائكة خلقٌ من خلق الله تعالى ، خلقهم الله من النور ، وجبلهم على الطاعة والانقياد التام لأمره جلا وعلا ، كما قال (لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون(، وعددهم كثير لا يحصيهم إلا هو- سبحانه وتعالى- . فالإيمان بهم
أولًا: يكون بوجودهم فهم عالمٌ غيبي لا نراهم .
وأيضا الإيمان بما علمنا من أسمائهم كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل عليهم السلام هذا على وجه التفصيل؛ ومن لم نعلم من أسمائهم فنؤمن بهم على وجه الإجمال.
أيضا الإيمان بصفاتهم: نؤمن بصفات من علمنا من أوصافهم كجبريل عليه السلام ذكر النبي( أن له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق، قد رآه عليه الصلاة والسلام على صورته الحقيقية مرتين؛ مرة في حِراء، وقد ذكر الله عزوجل ذلك في كتابه في قوله: (ولقد رآه بالأفق المبين(، ومرة في المعراج في السموات العُلى، قال الله عزوجل : (ثم دنى فتدلَّى( إلى أن قال: (ولقد رآه نزلةً أخرى(.
وأيضًا الإيمان بما علمنا من أعمالهم كجبريل عليه السلام الموَّكل بالوحي ، وكملك الموت الموَّكل بقبض الأرواح، ومالك خازن النار .
والإيمان بالكتب: قال (أن تؤمن بالله وملائته ةكتبه) الإيمان بالكتب التي أنزل الله عز وجل على رسله هداية للخلق، ورحمةً للعباد، تؤمن بأنها منزَّلة من عند الله عز وجل، وأنها حقٌ من عند الله ، وتؤمن بما علمنا من أسماء هذه الكتب كالتواراة، والإنجيل والزبور ويكون الإيمان إيمانا مجملا وتؤمن بالقرآن إيمانا مفصلا بكل ما فيه فهو ناسخ لسائر الكتب، ومهيمن على جميع الكتب، تصدق أخباره، وتعمل بأحكامه ، وترضى وتسلِّم أما من آمن ببعض القرآن وكفر ببعض فهو كافر والعياذ بالله .
قال «ورسله»: الإيمان بالرسل من أوَّلهم من نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد(، تؤمن أن رسالتهم حقٌ من عند الله تعالى، ولا يسع لأحد بعد بعثة النبي( إلا أن يؤمن به ويتبعه قال ( كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه «لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديٌ، ولا نصاريٌ ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار» وأيضا من الإيمان أن تؤمن أنه خاتم النبيين، والمرسلين، فيجب الإيمان به واتباعه ، والإيمان أيضا بما صحَّ من أخباره ( والعمل بما جاء به هذا هو في الحقيقة الإيمان بالرسل.
قال «واليوم الآخر»: أي الآخر بأن تؤمن بالبعث، والنشور، وهو إحياء الموتى كما قال تعالى (يوم يقوم الناس لرب العالمين(، والإيمان بالحوض، والصراط، والميزان، والحساب والجزاء، ، والإيمان بالجنة، والنار وأيضا يلحق بهذا الإيمان الإيمان بفتنة القبر ، وفتنة القبر هي سؤال الملكين سؤال الميت بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه فالمؤمن يثبته الله كما قال تعالى ( يثَّبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت( يقول المؤمن : ربيَّ الله، ديني الإسلام، ونبيِّ محمد(، وأما الكافر لا يدري ما يقول يقول الله تعالى (ويضلُّ الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء( يقول الكافر، أو المنافق أو الفاجر: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، لا يُهتدى إلى اسم النبي(، وأيضًا يلحق بالإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر، ونعيمه.
«والإيمان بالقدر خيره، وشره»:يكون بأن تؤمن أن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كتب مقادير كل شيء إلى تقوم الساعة كل ذلك في اللوح المحفوظ؛ فلا يُزاد فيه، ولا يُنقص، ولا يبدَّل، ولا يغير كما قال تعالى (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ( وقال (وكل صغيرٍ، وكبيرٍ مستطر( أي مكتوب في اللوح المحفوظ، وقال عليه الصلاة والسلام «رفعت الأقلام، وجفت الصحف»، وأيضا تؤمن «أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك» كتب الله كل شئ لأن علمه واسع كما قال جلا وعلا (وسع كل شيءٍ علمًا( وقال (أحاط بكل شيءٍ علمًا( وأيضا قال (وأحصى كل شيءٍ عددًا(؛ فربُّ العالمين يعلم الجهر، وما يخفى، ويعلم السرَّ، والنجوى، بخلاف علم الإنسان يسبقه جهل، ويعتريه نسيان، أما علم الله عز وجل فلا يسبقه جهل، ولا يلحقه نسيان، كما قال تعالى (لا يضلُّ ربي ولا ينسى( علمه الله سبحانه وتعالى واسع يعلم الماضي، والمستقبل؛ كما في قوله (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) (يعلم ما بين أيديهم( أي المستقبل، (وما خلفهم( أي الماضي، ، ويعلم أيضا ما لم يقع لو وقع كيف سيقع أي يعلم ما كان وهو الماضي، وما يكون وهو الحاضر وما سيكون وهو المستقبل وما لم يكن إن كان كيف يكون، يعني يعلم الشئ الذي لم يقع لو وقع كيف سيقع وقد بيَّن الله عز وجل ذلك في القرآن الكريم فالكفار لما يرون النار عندما يوقفون عليها أي قبل أن يزَّجُّو، ويدَّعُّو إلى النار دعَّا يتمنون أن يُعودوا إلى الدنيا فيؤمنوا، ويرجعوا إلى الأعمال الصالحة، فبيَّن الله عز وجل أنهم لو عادوا إلى الدنيا لرجعوا إلى الكفر، والمعاصي، وأنهم كاذبون في قولهم ، قال تعالى : (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نردُّ ولا نكذِّب بآيات ربنا، ونكون من المؤمنين، بل بدا لهم ما كانوا يُخفون من قبل، ولو ردُّوا لعادوا لما نُهوا عنه، وإنهم لكاذبون( يعني هذا لم وقع لكن الله جلا وعلا بيَّن أنه لو وقع لعلم كيف يقع. لأن علمه جلا وعلا واسع .
وأيضا قسّم العلماء القدر إالى أربع مراتب : العلم، الكتابة ، المشيئة، الخلق وسيأتي بيان هذه المراتب في حديث ابن مسعود رضي الله عنه
ثم قال: «صدقت؛ أخبرني ما الإحسان؛ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
الإحسان ضدُّ الإساءة، والإحسان المقصود به الإحسان في العمل، والعبادة: أي تتقن، وتحسِّن العبادة على أكمل وجه، وعكس الإحسان الإساءَة. لا تخفى عليكم قصة الرجل الذي جاء يُصلِّي في المسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من صلاته جاء فسَّلم على النبي(؛ فقال له «ارجع فصل فإنك لم تصلِّ» ثلاث مرات يصلي كما صلَّى في المرة الأولى يأتي يسلِّم على النبي(؛ فيقول له: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ» هكذا ثلاث مرات لماذا أرجعه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أساء في صلاته ولم يحسن صلاته ، لم يطمئن، بل أسرع في صلاته، ولهذا قال في المرة الثالثة للنبي(: "والذي بعثك بالحق ما أُحسنُ غيره فعلِّمني" .
وإحسان العمل يتفاوت فيه الناس
أولا الإحسان بالقدر المجزئ ثانيا الإحسان بالقدر المستحب
أما القدر المجزئ: بأن يكون العمل خالصًا صوابًا ، خالصًا لوجه الله، صوابًا على سنة النبي(.
وأما الإحسان بالقَدْر المستحب: بأن يأتي العبد بالعمل على مقام ومرتبة المشاهدة، أو المراقبة؛ المشاهدة:كما في قوله صلى الله عليه وسلم «كأنك تراه» تعبد الله كأنك تراه تؤدي العبادة كأنك ترى الله عز وجل، وهذه المرتبة هي مرتبة الطلب، وهذه المرتبة أعلى من مرتبة المراقبة
مرتبة المراقبة: كما في قوله صلى الله عليه وسلم «فإنه يراك» إذا لم تستشعر أنك ترى الله فاعلم ان الله جلا وعلا يراك وهذه المرتبة هي مرتبة الخوف، والهرب؛ الخوف من عقابه، والهرب من عذابه، فتؤدي العبادة على أكمل وجه، وتُحسنها .
فمقام المشاهدة أعلى من مقام المراقبة ومرتبة الطلب أعلى من مرتبة الهرب
ثم قال له: «صدقت».
ثم قال: «أخبرني عن الساعة» يعني متى قيام الساعة، ؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» يعني «ما المسؤول» يقصد نفسه أي لست بأعلم منك فكما أنك لا تعلم فإني لا أعلم هكذا يجيب النبي(، السائل وهو جبريل عليه السلام.
لكن الساعة لها أمارات، وعلامات ولهذا انتقل السائل إلى السؤال عنها.
فقال: «أخبرني عن أماراتها» أي علاماتها وأشراطها، عن أماراتها أي العلامات التي تدل على قرب قيام الساعة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم هنا علامتين من علامات الساعة أولا : «أن تلد الأمة ربتها» يعني الأمة: هي المملوكة، (الأمة تلد ربتها): يعني سيدها، وهذا كناية عن كثرة العقوق قرب قيام الساعة، يعني يعامل الولد سواء كان ذكرا أو انثى يعامل والديه معاملة السيد لمملوكه ، وبعضهم قال كناية عن كثرة الاموال وكثرة الرقيق وهناك أقوال أخرى في معنى (أن تلد الامة ربتها).
ثم العلامة الثانية: «أن ترى الحفاة العراة العالة رُعاء الشاه يتطاولون في البنيان» الحفاة: يعني الذين ليس لهم نعال من الفقر ، ومع ذلك يتطاولون في البنيان، أي أن الله فتح عليهم بكثرة الأموال وتغير حالهم من الفقر إالى الغنى .
العُراة: أي ليس عليهم كِسوة، لا يجدون الكسوة لكن فتح الله عز وجل عليهم، حفاة، العراة، العالة: يعني فقراء.
رُعاء الشاه: أي كانوا بسطاء يرعون الغنم فهم من أبسط الناس لكن أصبحوا بعد ذلك يتطاولون في البنيان
فهذه العلامات من علامات الساعة الصغرى وهناك أيضا علامات صغرى أخرى
بعثة النبي(: يقول عليه الصلاة والسلام «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأيضا انشقاق القمر يقول تعالى (اقتربت الساعة، وانشق القمر( وأيضا النار التي خرجت من أرض الحجاز، وهناك علامات كثيرة ظهرت تضييع الأمانة يقول صلى الله عليه وسلم «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، وأيضًا تقارب الزمان، وقبض العلم، وكثرة الجهل،، وظهور الفتن، وكثرة الهرج أي القتل، وأيضًا كثرة الزنا ، وشرب الخمر، واستحلال شرب الخمر، والمعازف، كل هذه من علامات الساعة الصغرى.
أما العلامات الكبرى فهي قريبة قيام الساعة وهي متتالية فقد بيّن عليه الصلاة والسلام هذه العلامات كما جاء في صحيح مسلم بقوله «لن تقوم الساعة قبلها حتى تروا عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج، ومأجوج ، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر هذه الآيات نارٌ تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم حيث قالوا، وتبيتُ معهم حيث باتوا» كما جاء في الحديث
وقسم العلماء أيضا تقسيمًا آخر باعتبار آخر لهذا العلامات : علامات ظهرت، وعلامات لا زالت تظهر، وعلامات ستظهر قرب قيام الساعة وهي العلامات الكبرى

ثم انطلق جبريل عليه السلام؛ قال رضي الله عنه : فلبثت مليًّا. أي وقتًا، وزمنًا طويلًا، وفي بعض الروايات، قال: فلبثت ثلاثًا، أي ثلاثة أيام، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا عمر! أتدري من السائل» قال: الله ورسوله أعلم!، قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم». هذا الحديث حديث عظيم فيه بيان للإسلام والإيمان والإحسان وفيه ذكر بعض المغيبات فنسأل الله أن يغفر لنا
وبارك الله فيكم وصلى الله على نيبيا وعلى آله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق