بِــسْـمِ اللَّــٰهِ الـرَّحْـمَــٰنِ الـرَّحِـيمِ
الدرس الأوَّل
من شرح كتاب:الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
لفضيلة الشيخ : محمود حسين آل عوض حفظه الله تعالى
في مجموعة 🔖 *«تعليم السنة »*🔖
إنّ الحمدلله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده اللَّـٰه فلا مضل له، ومن يُضلل فلاهادي له، وأشهد أن لا إلــٰه إلاَّ اللَّه، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أمَّا بعد :
فإنَّ الإنسان في هذه الحياة إنَّما هو في دار امتحان، لا في دار إقامة، وعليه أن يعلم أنَّ اللَّه جل وعلا إنما أتى به إلى هذه الحياة ليمتحنه، فالموفق من علم ما عليه وأدَّاه على النَّحو الذي يرتضيه الله، والمخذول من نَبَا عن ذلك وابتعد عنه، وعلى قدر اقتراب العبد من تحقيق ذلك يحقق من السعادة،
وعلى قدر ابتعاده عن تحقيق ذلك يُحصِّل من التعاسة؛ فعن البراء بن عازب رضوان الله عليه عن رسول الله قال :( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) قال: نزلت في عذاب القبر، يقال له من ربك، فيقول : ربي الله، ونبيِّي محمَّد صلى الله عليه وسلم
هنالك «يُــثـَبِّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة»
وقد عُرِفت هذه الأسئلة؛ من ربك؟ ومن نَـبِـيُّـك؟ ومادينك؟ : بأسئلة القبر!
وقد كتب فيها غير واحد من علمائنا
لبيانها وبيان الأدلَّة على صحَّة الجواب عليها، وبيان المطلوب من العبد بإزائها؛ ومن أبرز ماكُـتِب:
كَـتَب العلاَّمة الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهَّاب الثلاثة أصول
فهذا من أبرز ما كُتِب في هذا الباب، وكاتبه من أبرز من كَتَب في هذا الباب؛ فهو متن يسير، قليل مبناه، عظيم معناه، كتبه الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، كنيته أبو الحسين، ويَعرفه العلماء بالإمام المجدد، أو بشيخ الإسلام، أو بإمام الدَّعوة النَّجدية، وهو ولد في العُيَيْنَة سنة 1115من هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتوفي في الدِّرْعِية سنة1206من هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبنى دعوته على التوحيد؛ لأنَّها هي دعوة المرسلين، وهي دعوة الأنبياء، والصادقين من الصالحين من بعدهم؛ لأنّ الله ماخلقنا إلاَّ لأجل هذا التوحيد، ولايَتَقبَّل جل وعلا عملا إلاَّ به، ومصير الآتي به إلى الجنة، كما وعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالتوحيد هو أعظم ما عُبِد اللَّه به، وهو أعظم ماعَبَد الإنسانُ به ربَّه، وهو أفضل ما أتى به المرء في سِجِلاَّت حسناته، وهو سبب لشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسبب للاطمئنان، والهداية في الدنيا والآخرة، وبه تَكْثُر الحسنات، وتُمْحَى السَّيِّئات، فبنى الإمام المجدد دعوته على التوحيد كما كان الأنبياء والمرسلون، واسمعونا بأمر الله جل وعلا
إذا ما قرأت في سورة هود قول الله جل وعلا حاكيا عن الأنبياء والمرسلين، كلَّما جاء نبي قال لقومه : «أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون»
وفي القبر يُسأل الإنسان من ربك؟ ومادينك؟ ومن نبيك؟ فجدير بالعبد إذا كان في نهاية مطاف حياته، وفي أول مايكون هنالك من حساب، أن يُسأل عن هذه الأسئلة، جدير به أن يتعلمها، وأن يُتقنها وهذا المتن الذي هو {الثلاثة الأصول} كتبه هذا الإمام، وتواتر على شرحه الأئمة من بعده، قال في مطلعه :
بسم الله الرحمن الرحيم
فبدأ بالبسملة اقتداء بكتاب الله عز وجل، وبكتب الأنبياء والمرسلين «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم».
و {بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله، عبدُالله ورسوله إلى هرقل}، {إلى المقوقس}، {إلى كسرى}، {إلى النجاشي}؛
خطابات النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فإن الله بدأ كتابه بالبسملة، عُدَّت آية أم لم تُعَدْ؛ قد بدأ الله جل وعلا بها، وبدأ الأنبياء كتبهم إلى أقوام يدعونهم بها، فتأسيًا بكتاب الله جل وعلا، وبكتب الأنبياء والمرسلين، وتأسياً بمن جاء من العلماء من السلف رضوان الله عليهم أجمعين، إذ يبدؤون مصنفاتِـهم بالبسملة، ومن باب التأسي بهذا الذي أجمع عليه العلماء من التبرك باسم الله جل وعلا، بدأ به كتابه :
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله
في هذا دعاءٌ لمن قرأ ولمن قُرِأَ عليه بالرحمة، وهي مقصود الخلق من الدنيا، إذا صح مقصودهم أن يُرْحموا بين يدي الله جل وعلا، ولَمَّا قرن هذا الدعاء بأمره بالعلم بين أنَّ العلم من أسباب الرحمة، بل هو سببها.
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل
فبدأ بهذه المسائل الأربع التي سيأتي بيانها، هذه المسائل قد جاءت في سورة العصر، في قوله تعالى: «والعصر إن الإنسان لفي خسر إلاَّ الَّذين آمنوا وعملوا الصـٰلحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر».
قال: اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل، الأولى: العلم وهو: فعرَّف العلم، ولما ذكر المسألة الثانية قال: العمل به ولم يعرِّف العمل، والدعوة إليه ولم يعرفها، والصبر على الأذى فيه، ثم أسهب في ذكر الأدلة، وماعرف العلم إلا لأنه إنما تبنى عليه هذه المسائل الأربع؛ لأن الثانية (العمل به) يعني بالعلم، (والدعوة إليه) يعني للعلم والعمل (والصبر على الأذى فيه) يعني في تحصيله أوَّلا، وفي بلاغه للخلق ثانيا، فلما عرَّف العلم قال:
،(هومعرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة) هذا هو العلم، وليس هذا كل معلوم، وإنما هذا ماينبغي أن يكون عند جميع الخلق معلوما، فالعلم هو معرفة الحق بدليله، وضده الجهل، والحق الذي ينبغي أن يُعرف وأن يُطلب ليعلم هو معرفة الله، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وهم أسئلة القبر؛ معرفة الله: من ربك؟ ويأتي بيانٌ بإسناد بعد في ذلك، معرفة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتي بيانٌ بإسناد عن ذكره، وشرفه ومقامه ومنزلته، وماينبغي على كل مسلم معرفته عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ومعرفة دين الاسلام بالأدلة، وفي هذا جمل يأتي بيان بعضها، ويطول الآن ذكرها.
لذلك كان ينبغي على كل مسلم أن يجتهد في تحصيل هذا العلم، الذي هو شرف هذه الأمة وسُؤدُدُها .
قال: الثانية : العمل به والعمل أخ العلم؛ لأنه كما قال السلف: ”العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل“، ولذلك قال بعض من نَظَم :
وعالم بعلمه لم يَعمَلَن ••• معذبٌ من قَبْل عابد الوثن
فهذا هذا في حديث أسامة، وهو عند مسلم في ”صحيحه“ أنه يُأتى بهذا الرجل الذي يكون في النار على صفة مشينة له مهينة أليمة، الله جل وعلا قد وصف عذابه بأنه أليم، وبأنه عظيم، وبأنه مهين، وهذا وفي صورة مهينة من العذاب يفرج بين قدميه، لتندفع أقتابه من دبره، لتكون مركزا بين قدميه ويديه، ويدور حوله كما يدور الحمار برحاه، من هذا؟ هذا عالم!!، هذا أخذ من العلم ولم يأخذ من العمل!!، هذا أخذ من الدعوة إلى الله جل وعلا، ولم يأخذ من بيان تصديق هذه الدعوة إلى الله بالعمل!!، هذا كان يقول للخلق هذا سبيل الله، ولكنه لا يسير عليه، والعمل ينبغي علينا إذا ماشرعنا في شرح العلم أن نأكد عليه، لكي لا ننتج في دنيا الله جل وعلا أناسا يعلمون حججاً من الله عليهم، يزيدون بها على أنفسهم العذاب، ولكي لا نشوه دين الله جل وعلا بهؤلاء المسوخ، الذين يدعون إلى الله !!، إلى الجنة بأقوالهم، ويصدون عنها وعنه جل وعلا بأفعالهم؟!، هذا من الأهمية بمكان،
وعالم بعلمه لم يعملن ••• معذب من قبل عابد الوثن
اليهود أمة غضبية، عرفت محمداً صلى الله عليه وسلم، ولم تؤمن به، وأخذت بمعرفة دينه، ولم تعمل به، وكانت على مثل اليقين، لأن هذا الذي جاء به الأمين صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق من عند ربهم، ولم يؤمنوا به، ولم يذعنوا له، فَهُم أمة عضبية، غضب الله عليهم ولعنهم.
قال: الثالثة الدعوة إليه، والرابعة الصبر على الأذى فيه، ثم ذكر على ذلك بسطا من الأدلة.
العمل بالعلم الذي هو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، من أهم مايكون هذا؛ عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه وأرضاه يقول: «والله لولا آيتان في كتاب الله تعالى ماحَدّثتُ عنه –يعني عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم– لولا قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ثم يشترون به ثمناً قليلاً أولئك مايأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار)»، ولِمَا لا !!، وقد جاء عن الشعبي أنه كان يقول: «يَطَّلع قوم من أهل الجنة إلي قوم من أهل النار، فيقولون لم دخلتم النار، ونحن إنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم، –أنظر أيها الطالب– فقالوا إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله» يعني كانوا يأمرون بالخير ولا يأتون به، ويُصدِّقه حديث أسامة رضوان الله عليه، وهو عند مسلم، وقيل: من وُعِظ بقوله ضاع كلامه، ومن وعظ بفعله نفذت سهامه، قال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره ••• هلا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواء لذي السقام ولذي ••• الظما كي ما يصح به وأنت سقيمُ
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها ••• فإذا انتهت عن غيها فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويُقْــ ••• تَدَى بالرأي منك وينفع التعليمُ
ولذلك قال علماؤنا عليهم الرحمة: عمل رجل في ألف رجل، أبلغ وأجدى من قول ألف رجل في رجل، فهذا دين العمل، ولكنه إذا كان بلا علم كانت البدعة، وكانت الضلالة، وكانت الغواية، وأدب العلم، والعلم بلا عمل هو النفاق بعينه، هو الاتصاف بصفات الأمة الغضبية بعينه، فعلينا عباد الله أن نتقي الله جل وعلا في أنفسنا، وأن نتعلم العلم الصحيح من مضانه، وأن نأتي بالعمل به على وجهه، وأن لا نضيع من ذلك شيئا.
حتي لا يقع في هذ الشرح إطالة قصدت أن تكون مجالسنا فيه قصيرة، تفرغ وتضبط، تخرج وتنشر، وتحفظ لكي يعم العمل بالعلم، ولكي لا يكون العلم بمبعدة عن العمل.
أسأل الله جل وعلا أن يجعل المتكلم والسامع منتفعين بهذا الذي تكلم به وسُمع، إنه نعم المولى ونعم النصير، وصل اللهم على محمد وآله وسلم
➖➖〰➖➖〰➖➖
تفريغ درس ألقاه فضيلة الشيخ *محمود حسين آل عوض حفظه الله تعالى*
بمجموعة *تعليم السنة*
وأذن في نشره
الدرس الأوَّل
*من شرح كتاب:الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله*
لفضيلة الشيخ : *محمود حسين آل عوض حفظه الله تعالى*
في مجموعة 🔖 *«تعليم السنة »*🔖
إنّ الحمدلله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده اللَّـٰه فلا مضل له، ومن يُضلل فلاهادي له، وأشهد أن لا إلــٰه إلاَّ اللَّه، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أمَّا بعد :
فإنَّ الإنسان في هذه الحياة إنَّما هو في دار امتحان، لا في دار إقامة، وعليه أن يعلم أنَّ اللَّه جل وعلا إنما أتى به إلى هذه الحياة ليمتحنه، فالموفق من علم ما عليه وأدَّاه على النَّحو الذي يرتضيه الله، والمخذول من نَبَا عن ذلك وابتعد عنه، وعلى قدر اقتراب العبد من تحقيق ذلك يحقق من السعادة،
وعلى قدر ابتعاده عن تحقيق ذلك يُحصِّل من التعاسة؛ فعن البراء بن عازب رضوان الله عليه عن رسول الله قال :( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) قال: نزلت في عذاب القبر، يقال له من ربك، فيقول : ربي الله، ونبيِّي محمَّد صلى الله عليه وسلم
*«هنالك يُــثـَبِّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة»*
وقد عُرِفت هذه الأسئلة؛ من ربك؟ ومن نَـبِـيُّـك؟ ومادينك؟ : بأسئلة القبر!
وقد كتب فيها غير واحد من علمائنا
لبيانها وبيان الأدلَّة على صحَّة الجواب عليها، وبيان المطلوب من العبد بإزائها؛ ومن أبرز ماكُـتِب:
كَـتَب العلاَّمة الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهَّاب الثلاثة أصول
فهذا من أبرز ما كُتِب في هذا الباب، وكاتبه من أبرز من كَتَب في هذا الباب؛ فهو متن يسير، قليل مبناه، عظيم معناه، كتبه الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، كنيته أبو الحسين، ويَعرفه العلماء بالإمام المجدد، أو بشيخ الإسلام، أو بإمام الدَّعوة النَّجدية، وهو ولد في العُيَيْنَة سنة 1115من هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتوفي في الدِّرْعِية سنة1206من هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبنى دعوته على التوحيد؛ لأنَّها هي دعوة المرسلين، وهي دعوة الأنبياء، والصادقين من الصالحين من بعدهم؛ لأنّ الله ماخلقنا إلاَّ لأجل هذا التوحيد، ولايَتَقبَّل جل وعلا عملا إلاَّ به، ومصير الآتي به إلى الجنة، كما وعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالتوحيد هو أعظم ما عُبِد اللَّه به، وهو أعظم ماعَبَد الإنسانُ به ربَّه، وهو أفضل ما أتى به المرء في سِجِلاَّت حسناته، وهو سبب لشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسبب للاطمئنان، والهداية في الدنيا والآخرة، وبه تَكْثُر الحسنات، وتُمْحَى السَّيِّئات، فبنى الإمام المجدد دعوته على التوحيد كما كان الأنبياء والمرسلون، واسمعونا بأمر الله جل وعلا
إذا ما قرأت في سورة هود قول الله جل وعلا حاكيا عن الأنبياء والمرسلين، كلَّما جاء نبي قال لقومه : *«أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون»*
وفي القبر يُسأل الإنسان من ربك؟ ومادينك؟ ومن نبيك؟ فجدير بالعبد إذا كان في نهاية مطاف حياته، وفي أول مايكون هنالك من حساب، أن يُسأل عن هذه الأسئلة، جدير به أن يتعلمها، وأن يُتقنها وهذا المتن الذي هو {الثلاثة الأصول} كتبه هذا الإمام، وتواتر على شرحه الأئمة من بعده، قال في مطلعه :
*بسم الله الرحمن الرحيم*
فبدأ بالبسملة اقتداء بكتاب الله عز وجل، وبكتب الأنبياء والمرسلين *«إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم»*.
و {بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله، عبدُالله ورسوله إلى هرقل}، {إلى المقوقس}، {إلى كسرى}، {إلى النجاشي}؛
خطابات النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فإن الله بدأ كتابه بالبسملة، عُدَّت آية أم لم تُعَدْ؛ قد بدأ الله جل وعلا بها، وبدأ الأنبياء كتبهم إلى أقوام يدعونهم بها، فتأسيًا بكتاب الله جل وعلا، وبكتب الأنبياء والمرسلين، وتأسياً بمن جاء من العلماء من السلف رضوان الله عليهم أجمعين، إذ يبدؤون مصنفاتِـهم بالبسملة، ومن باب التأسي بهذا الذي أجمع عليه العلماء من التبرك باسم الله جل وعلا، بدأ به كتابه :
*بسم الله الرحمن الرحيم* *اعلم رحمك الله*
في هذا دعاءٌ لمن قرأ ولمن قُرِأَ عليه بالرحمة، وهي مقصود الخلق من الدنيا، إذا صح مقصودهم أن يُرْحموا بين يدي الله جل وعلا، ولَمَّا قرن هذا الدعاء بأمره بالعلم بين أنَّ العلم من أسباب الرحمة، بل هو سببها.
*اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل*
فبدأ بهذه المسائل الأربع التي سيأتي بيانها، هذه المسائل قد جاءت في سورة العصر، في قوله تعالى: *«والعصر إن الإنسان لفي خسر إلاَّ الَّذين آمنوا وعملوا الصـٰلحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر»* .
قال: اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل، الأولى: *العلم* وهو: فعرَّف العلم، ولما ذكر المسألة الثانية قال: *العمل به* ولم يعرِّف العمل، *والدعوة إليه* ولم يعرفها، *والصبر على الأذى فيه*، ثم أسهب في ذكر الأدلة، وماعرف العلم إلا لأنه إنما تبنى عليه هذه المسائل الأربع؛ لأن الثانية (العمل به) يعني بالعلم، (والدعوة إليه) يعني للعلم، (والعمل والصبر على الأذى فيه) يعني في تحصيله أوَّلا، وفي بلاغه للخلق ثانيا، فلما عرَّف العلم قال:
*هو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة* هذا هو العلم، وليس هذا كل معلوم، وإنما هذا ماينبغي أن يكون عند جميع الخلق معلوما، فالعلم هو معرفة الحق بدليله، وضده الجهل، والحق الذي ينبغي أن يُعرف وأن يُطلب ليعلم هو معرفة الله، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وهم أسئلة القبر؛ معرفة الله: من ربك؟ ويأتي بيانٌ بإسناد بعد في ذلك، معرفة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتي بيانٌ بإسناد عن ذكره، وشرفه ومقامه ومنزلته، وماينبغي على كل مسلم معرفته عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ومعرفة دين الاسلام بالأدلة، وفي هذا جمل يأتي بيان بعضها، ويطول الآن ذكرها.
لذلك كان ينبغي على كل مسلم أن يجتهد في تحصيل هذا العلم، الذي هو شرف هذه الأمة وسُؤدُدُها .
قال: الثانية : *العمل به* والعمل أخ العلم؛ لأنه كما قال السلف: ”العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل“، ولذلك قال بعض من نَظَم :
وعالم بعلمه لم يَعمَلَن ••• معذبٌ من قَبْل عابد الوثن
فهذا هذا في حديث أسامة، وهو عند مسلم في ”صحيحه“ أنه يُأتى بهذا الرجل الذي يكون في النار على صفة مشينة له مهينة أليمة، الله جل وعلا قد وصف عذابه بأنه أليم، وبأنه عظيم، وبأنه مهين، وهذا وفي صورة مهينة من العذاب يفرج بين قدميه، لتندفع أقتابه من دبره، لتكون مركزا بين قدميه ويديه، ويدور حوله كما يدور الحمار برحاه، من هذا؟ هذا عالم!!، هذا أخذ من العلم ولم يأخذ من العمل!!، هذا أخذ من الدعوة إلى الله جل وعلا، ولم يأخذ من بيان تصديق هذه الدعوة إلى الله بالعمل!!، هذا كان يقول للخلق هذا سبيل الله، ولكنه لا يسير عليه، والعمل ينبغي علينا إذا ماشرعنا في شرح العلم أن نأكد عليه، لكي لا ننتج في دنيا الله جل وعلا أناسا يعلمون حججاً من الله عليهم، يزيدون بها على أنفسهم العذاب، ولكي لا نشوه دين الله جل وعلا بهؤلاء المسوخ، الذين يدعون إلى الله !!، إلى الجنة بأقوالهم، ويصدون عنها وعنه جل وعلا بأفعالهم؟!، هذا من الأهمية بمكان،
وعالم بعلمه لم يعملن ••• معذب من قبل عابد الوثن
اليهود أمة غضبية، عرفت محمداً صلى الله عليه وسلم، ولم تؤمن به، وأخذت بمعرفة دينه، ولم تعمل به، وكانت على مثل اليقين، لأن هذا الذي جاء به الأمين صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق من عند ربهم، ولم يؤمنوا به، ولم يذعنوا له، فَهُم أمة عضبية، غضب الله عليهم ولعنهم.
قال: *الثالثة الدعوة إليه* *والرابعة الصبر على الأذى فيه*، ثم ذكر على ذلك بسطا من الأدلة.
العمل بالعلم الذي هو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، من أهم مايكون هذا؛ عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه وأرضاه يقول: «والله لولا آيتان في كتاب الله تعالى ماحَدّثتُ عنه –يعني عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم– لولا قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ثم يشترون به ثمناً قليلاً أولئك مايأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار)»، ولِمَا لا !!، وقد جاء عن الشعبي أنه كان يقول: «يَطَّلع قوم من أهل الجنة إلي قوم من أهل النار، فيقولون لم دخلتم النار، ونحن إنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم، –أنظر أيها الطالب– فقالوا إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله» يعني كانوا يأمرون بالخير ولا يأتون به، ويُصدِّقه حديث أسامة رضوان الله عليه، وهو عند مسلم، وقيل: من وُعِظ بقوله ضاع كلامه، ومن وعظ بفعله نفذت سهامه، قال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره ••• هلا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواء لذي السقام ولذي ••• الظما كي ما يصح به وأنت سقيمُ
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها ••• فإذا انتهت عن غيها فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويُقْــ ••• تَدَى بالرأي منك وينفع التعليمُ
ولذلك قال علماؤنا عليهم الرحمة: عمل رجل في ألف رجل، أبلغ وأجدى من قول ألف رجل في رجل، فهذا دين العمل، ولكنه إذا كان بلا علم كانت البدعة، وكانت الضلالة، وكانت الغواية، وأدب العلم، والعلم بلا عمل هو النفاق بعينه، هو الاتصاف بصفات الأمة الغضبية بعينه، فعلينا عباد الله أن نتقي الله جل وعلا في أنفسنا، وأن نتعلم العلم الصحيح من مضانه، وأن نأتي بالعمل به على وجهه، وأن لا نضيع من ذلك شيئا.
حتي لا يقع في هذ الشرح إطالة قصدت أن تكون مجالسنا فيه قصيرة، تفرغ وتضبط، تخرج وتنشر، وتحفظ لكي يعم العمل بالعلم، ولكي لا يكون العلم بمبعدة عن العمل.
أسأل الله جل وعلا أن يجعل المتكلم والسامع منتفعين بهذا الذي تكلم به وسُمع، إنه نعم المولى ونعم النصير، وصل اللهم على محمد وآله وسلم
➖➖〰➖➖〰➖➖
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق