بسم الله الــرحمن الــرحيم
الدرس الرابع
من شرح كتاب: «الأصول الثلاثة» لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-
للشيخ: محمود حسين آل عوض -حفظه الله تعالى-
في مجموعة : تعليم السنة -شرفها الله-
بسم الله، والصلاة، والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما بعد :
فقد بلغنا في شرح كتاب ثلاثة الأصول وأدلتها إلى قول المؤلف -رحمه الله- :
قال الإمام الشافعي -رضي الله عنه- : «لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم»
وقال الإمام البخاري -رحمه الله-:
«باب: العلم قبل القول والعمل ودليله قوله تعالى : "فاعلم أنه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .»
قول الإمام الشافعي مقصوده أن هذه السورة تكفي حجة على خلق الله في أرض الله من أجل أن يعلموا ويعملوا ويتدبروا ويدعوا إلى الله ويصبروا على الأذى في ذلك، فما بالك بسائر سور القرآن الكريم وما بالك بباقي كلام الله رب العالمين،
وكلام سيد المرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم-، في هذه السورة كفاية لإقامة الحجة على خلق الله في أرض الله ، قول الإمام البخاري -رحمة الله عليه- : باب: العلم قبل القول والعمل. هكذا كثير من الذين رقموا هذا الكتاب يظنون كلام البخاري ينتهي عند هذا الحد، وكلام البخاري في تبويبه ينتهي إلى قوله والدليل قوله تعالى :- "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ" فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. انتهى هذا كله تبويب الإمام البخاري - رحمة الله عليه -. فقد أتى بهذا التبويب وذكر دلالةً واضحةً على تقديم العلم قبل القول والعمل من كتاب الله - جل وعلا - قال:{فَاعْلَمْ} فهذا هو العلم، "ْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ "يعني قبل أن تستغفر لذنبك يامحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وقبل أن يستغفر من معك الله - جل وعلا - من ذنوبهم، عليك وعليهم أن يعلموا أن الله - جل وعلا - لا إله إلا هو، فوجب تعلم هذا الأصل الأصيل، وألا يكون كلمة لا تدفع عن صاحبها شيئا ! إذا كانت مجردةً، عن اعتقاد جازم وعمل صالح، فعلينا أن نعلم شروطها، وعلينا أن ندرس نواقضها، وعلينا أن نأتي بلازمها، وعلينا أن نقوم بواجب العبد تجاهها، وعلينا أن نجتنب نواقضها، فهذا هو الواجب على كل مسلم، ولما ضل كثير من الخطباء والوعاظ عن هذا الذي ذكره الإمام المجدد صار الناس في خلط عظيم، فتراهم يتورطون في النواقض، ولايتجنبونها، وتراهم لا يأتون بلوازم لا إله إلا الله، ولا يعملون بمقتضاها، وتراهم يخبطون في أرض الله - جل وعلا - لا يحققون لله أصلاً، ولا يجتنبون لهذا الأصل ناقضاً. أسأل الله - جل وعلا - أن يبصر الدعاة حتى يبصروا الناس بدين الله - جل وعلا - وبقواعد الإسلام العظيم.
اعلم - رحمك الله - أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن، فبدأ في هذه الفقرة بقوله:( اعلم -رحمك الله-) كبدايته الفقرة التي مضت، فدعا للطالب بالرحمة وهو مقصود العلم ومقصود خلق الله في أرض الله إن صح مقصودهم، وأمر قبل الرحمة بالعلم؛ لأن العلم مورد للرحمة، ولأنه موفودها، ثم قال انه يجب على كل مسلم ومسلمة قال:(ومسلمة) ولا يحتاج أن يقول:(ومسلمة) لأن الخطاب إذا كان هكذا ( يجب على كل مسلم) دخل فيه النساء؛ لأنهن شقائق الرجال ، ولأنهن مخاطبون بهذا الوحي، وبهذه الكلمات هذا لا خلاف فيه، ولكنه كأنما أكد لأن العلم انتشر بين الطلاب ولم ينتشر بين النساء، ولأن كثيراً من النساء قد غيبن عن هذا الذي ينبغي أن يكن عليه حائزات، وأن يكن منه ناهلات، وأن يكن إياه ضابطات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والآن، انظر إلى طلاب العلم، هل يبصرون نساءهم؟
وهل نساء طلاب العلم من أزواج وبنات وأمهات وخالات وعمات من محارم؟ هل يأخذن حظاً وافراً من نصيبهن من الدعوة؟!
هذا قل في دنيا الله - جل وعلا - ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فدعا المؤلف - رحمة الله عليه - في الأصول هذه في بداية المسائل الأربع التي مضت( العلم والعمل والدعوة والصبر) ، ودعا -أيضاً- في هذا الموضع في تعلم هذه المسائل الثلاث التي تجب على كل مسلم ومسلمة هذه المسائل تجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمها وأن يعمل بها، ومعلوم أنه حينما ذكر الحكم قد هيأ النفس لسماع هذه المسائل، وقد طاقت النفوس إلى أن تكون ناهلةً من العلم محصلةً له؛ لأنه يجب عليها، فقال الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، والدليل قوله: "إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا " ، وهذا غايةً في الإتقان ؛ لأنه ذكر أن الله خلقنا ورزقنا ،ولم يتركنا هملاً ، بل أرسل إلينا رسولاً، فأول مسائل هذه الفقرة أن الله لم يتركنا هملاً بعدما خلقنا ، بل أرسل إلينا رسولاً، ودليل هذه الجملة قوله تعالى:"إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا" فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، فدليل هذه الجملة قوله:"شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا " فهذا يدلل على أنه ما كتب من لدنه، وإنما استقى من الوحي، وأتى على كل كلمة بنص يوضح دلالتها ، ثم قال: *الثانية:* إذا كان الله لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدًى، وأرسل إلينا رسولاً، وعلق على طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النجاة، فإن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، والدليل قوله :"وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا"، وهذا الترتيب منه غايةً في الإتقان وغايةً في الجمال؛ لأنه إنما بدأ بما يجب على العبد من طاعة الله فبين في القاعدة الأولى ما يجب على العبد وكذلك في الثانية ورتب عليهما *الثالثة* فقال : أن من أطاع الرسول ووحد الله من أطاع الرسول مصداقا للقاعدة الأولى ووحد الله مصداقا للثانية لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب. والدليل : "لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَآئَهُمْ أَوْأَبْنَائَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَــئِڪَ ڪَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلْهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِڪَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" وفي هذا دليل واضح على ما قدم من بيان من وحد الله واتبع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فإنه لا يواد من، حاد الله، والرسول لا يواد من حاد الله ونبيه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ، جعل أمره ودينه وشرعته في شق وجعل نفسه في شق عاداه هذا هو المعنى فمن حاد الله ومن شاق الله ورسوله فإنه لا يوالى ولا موالاة معه لأن من اتبع الرسول فإنه لا يعاون محبا مواليا من يعاديه ومن عبد الله ووحده لا يفعل ذلك أيضا وفي الآية دلالة واضحة على ما قدمنا من فقرة جعلها المسألة الثالثة ثم قال : (إعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين) ألا لله الدين الخالص، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لهذا، قال تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ومعنى يعبدون يوحدون وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى الله عنه الشرك وهو دعوة غيره معه فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على المرء معرفتها فقل : معرفة العبد ربه ودينه ونبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمدا فإذا قيل لك من ربك فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه ، ثم ذكر الأدلة وساق من باقي الأسئلة أسئلة القبر ،وأجاب عنها ،وذكر الأدلة فبدأ بمسائل أربع ملخصة في سورة العصر، وثنى بأصول ثلاث من اتباع الرسل اتباع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتوحيد الله وعدم موالاة المشركين ،ثم ذكر أسئلة القبر أعاذنا الله جل وعلا وإياكم والمسلمين من شر فتنته ومن هول طلعته ومن ما يلقاه فيه من عذاب ،و هوان كل مشرك ،ومنافق وفاجر. فقال إعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن نعبد الله وحده مخلصا له الدين هذه هي الحنيفية، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لهذا قال تعالى : هذا هو الدليل "وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" والآن هل سمعت منه عبارة دون دليل ؟ فأنى يقال الوهابية يتبعون فلان هل قال فلان الإمام هذا كلاما ولم يدلل عليه بآية أو بحديث؟ لا ،إذا يتبعون الأثر؛ لأن دعوة الإمام ما جاءت إلا بالكتاب والسنة وبتجديد من درس في نفوس المسلمين منهما ، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا بالإستقامة ظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق