بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
من شرح كتاب: الأصول الثلاثة
للشيخ الفاضل: محمود حسين آل عوض حفظه الله تعالى
في مجموعة : تعليم السنَّة-شرّفها الله
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يَتولى الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
أما بعد :
قال العلامة المؤلف:
«اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلُّم أربعِ مسائـلَ
الأولى : العلم
الثانية : العمل به
الثالثة : الدعوة إليه
الرابعة : الصبر على الأذى فيه» اهـ
قد وصلنا بحمد الله وقوته إلى قوله: «الثالثة : الدعوة إليه».
قال العلامة العثيمين: الدعوة إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من شريعة الله تعالى على مراتب، ثم ذكر قول الله جل وعلا {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة وجَادِلهُم بالَّتِي هيَ أحسَنُ} [النحل: 125].
والرابعة: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلَّا الَّذِينَ ظَلمُوا مِنهُم} [العنكبوت: 46]
قال العلامة السعدي: الدعوة إلى الله جل وعلا للمسلمين ولغيرهم لا بد أن تكون إلى سبيل ربك؛ لأنه هو المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح .
بالحكمة: أي على حسب حال كل فرد لفهمه وقوله وانقياده، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قَبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة وإلا فيُنتَقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو بالأمر والنهي المقرونُ بالترغيب والترهيب، إما بما تشتمل عليه الأوامر من مصالح وتِعدادِها، والنواهي من مَضار وتعدادها، وإما بذِكـر إكرام الله لمن قام بدينه أو بذكر إهانة الله جل وعلا لمن لم يقم به، وعلينا أن نعلم أن الدعاة إلى الله جل وعلا لابدَّ لهم أن يخرجوا عن الدعوةِ للنفس والدعوةِ للذات وعن الدعوةِ للجماعات والأحزاب والفِـرق.
السلفي الحق هو الذي يدعو إلى الحقِ، والحقُ هو الكتاب والسنة، وهو ما صح عن صاحب هذه الملة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أمَا تَرونَ أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الهَـوالِـكَ ثم ذكر الناجية فوصفَها قال: التي على ما أنا عليه اليوم وأصحابي، فبهذا تُـقبل الدعوة، وبهذا تربح، وإن كان هذا القيدُ ليس وحيدا لنجاحها ولقبولها عند الله جل وعلا، إنما لابدَّ أن تكون إلى الله وعلى سنة رسول الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا يُجادَلَ أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم.
قال العلامة العثيمين: (ولابدّ لهذه الدعوة من علم بشريعة الله حتي تكون على بصيرة لقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]
والدعوة إلى الله على غير علم وعلى غير بصيرة هلاك ومَهلَـكة للنفس وللأمة، أرأيتم هذه الجماعات التي بدأ مؤسِّسوها الدعوةَ إلى الله جل وعلا، ولم يُحصلوا من العلم ما يزيلوا البدع، وما يرفع الجهل، إلى أين وصلوا ؟!!
وصلوا إلى جماد عظيم، وإلى تخبط شديد، فهذه جماعة الإخوان بدأ أستاذها "البنا" في الدعوة إلى الله جل وعلا ولم يكن قد حصَّل من العلم كثير تحصيل وانحرف عن السبيل وحاد عن المنهاج القويم وانحرف عن جادة الدعوة إلى الله جل وعلا في السلوك وفي العبادة، فهو حَصَفي صوفي في العقيدة، وهو مُفَوِّض على طريقة المجهلين للسلف ولعلماء المسلمين، وفي الإيمان تارة يكون مُرجِئيا وتارة يكون تكفيريا، وجاء "سيد قطب" وخبَّط و خلّط و لم يحصّل من العلم ما به ينجو هو، فَضْلا عن أن يكون آخذا بزِمام الأمة إلى النجاة، و بأيدي المسلمين إلى الرشاد، إلى أين وصل ؟!! وصل إلى الطعن في الأنبياء، و إلى الطعن في المرسلين، و في الصالحين، و إلى التفويض تارة في الصفات و إلى التجسيم تارة فيها، و إلى ادِّعاء خلق القرآن بقوله : أنه -يعني القرآن- من صنْع الله، و إلى أمور يَندَى منها الجبين، حتى وصل إلى تكفير المجتمات، وحتى أَمَر بما لم يأمر به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا "محمد إلياس" قد أسّس جماعة التبليغ على غير هُدًى من الله، غفلت بمبايعته الأتباع على طرق صوفية خرافية إلى جهل سحيق بمسائل التوحيد .
وهؤلاء المتكلمة الذين فرُّوا من هذه الصفات التي تحلّى بها المعتزلة، حتى وصلوا إلى ما وصلت إليه المعتزلة، و حال المعتزلة و حال المتكلمة من الأشعرية و الماتوريدية، حال هؤلاء و هؤلاء مع أهل السنة و الجماعة كرعية مع حاكم عادل، فأما طائفة فقالت: ننصره ونؤيده ونعزّره ونكون معهم ونأتمر بأمره.
و طائفة قالت: بل نُقْصيه ونعزِله.
و طائفة قالت: بل نصبر على ولايته ونعطّل ما له من حقوق و صلاحيات.
هكذا هؤلاء الطوائف مع النصوص الإلهية والأحاديث النبوية .
فأما المعتزلة فعطّلوا النصوص تعطيلا واضحا، وردُّوها ردّا بيّنا .
وأما أهل السنة قبلوها ووقَّروها وأعملوها واتبعوها ولم يتقدموا بين يديه.
و أما هؤلاء الأشعرية: من الماتوريدية والكُلَّابية قالوا: بل نُمضي هذه النصوص فإما نعطيها معنًى سوى معناها الذي عليه دلت، فسمَّوا ذلك تأويلا، و إما لا نعطي لها معنًى ألبتة، فنعطّلها عن المعنى، وصلوا إلى ما وصل إليه المعتزلة، و ما وصل هؤلاء ولا هؤلاء إلى ما وصلوا إليه إلا لمّا فقدوا من العلم الواجد قبل الدعوة إلى الله، و قبل بيان دينه، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه.
قال العلامة العثيمين: ( الدعوة إلى الله تعالى تكون في مجالات كثيرة منها : الخطابة، و الإلقاء بالمحاضرات و الندوات، و منها الدعوة بالمقالات، و منها الدعوة إلى الله بحلقات العلم، ومنها بالتأليف والتصنيف، و نشر العلوم، و منها في المجالس الخاصة، والدعوة هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، و طريقة من تبعهم بإحسان، إذا عرف الإنسان معبوده ونبيه ودينه، و منّ الله عليه بالتوفيق بذلك فإن عليه أن يسعى في إنقاذ إخوانه بدعوتهم إلى الله، فليبشر بالخير.
الدعوة إلى الله جلّ وعلا من أوجب الواجبات ومن آكد المؤكّدات، نبينا صلى الله عليه وسلم قد حضّ عليها وحثّ الخلق أن يكونوا آخذين بها، ففي الحديث وهو عند الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " ).
قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث صحيح المتفق على صحته: " حينما ذهب النبي إلى خيبر، وقال لأعطيّن هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه، يحب اللهَ ورسوله ويحبه اللهُ ورسولُه "، فشهد له بمحبته لله ولرسوله، وشهد له بأن الله يحبه و رسوله كذلك، " قال سهل بن سعد : فبات الناس يَدوكُون ليلتهم " يتكلمون ويبحثون عمن سينال هذا الفضل وهذه المنة " قال عمر: فما تمنيتُ الإمارة إلا ليلة إذ، قال فلما أصبح الناس غدَوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجُون أن يعطاها، قال: أين علي، قالوا: هو يَشكو يارسول الله عينيه، قال: فأرسِلوا إليه، فأتِيَ به، فبصق صلى الله عليه وآله وسلم في عينيه ودعا له، فبرَأ، حتى كان كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، وقال علي: يا رسول الله أقاتلُهم حتى يكونوا مثلنا "، فسأل عن أي شيء وعلى أي شيء يقاتل، وعلى أي شيء ولأيِّ شيء يدعو؟.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن اتبعه لايَنقُص ذلك مِن أجورِهِم شيئا، ومَن دعا إلى ضلالة فعليه من الإثم مثلُ آثام مَن اتبعه لاينقص ذلك مِن آثامهم شيئا»، فأي حـظٍّ للدعوة إلى الله من هذا الحظ، وأي تحذير من الدعوة إلى البدع من هذا التحذير، من دعا إلى ضلالة فهو أسوء الناس، ولذلك خير الناس نبيٌّ، وشر الناس مُدَّع للنبوة، وخير الناس بعد الأنبياء عالم، وشر الناس بعد مدعي النبوة مدع للعلم، لأن الأول: موصول بالله جل وعلا وموحًا إليه، فيدعو إلى الهداية على وجهها، وأما الثاني العالم: فمِنَ الأول يَرث، يرث منه سبيله وطلقته ومنهاجه ودعوته إلى الله جل وعلا وماله عليها، كذلك المقابل يكون في الدرك الأسفل من النار وتحته مَن تحته ممن ذكرتُ، علينا أن نعلم ذلك.
قال: «الرابعة: الصبر على الأذى فيه»
الصبر ثلاثة أقسام: صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله التي يُجريها على العبد، فإما صبر على الأمر الكوني، وإما صبر على الأمر الشرعي.
والصبر على الأمر الشرعي: بإمتثال الأوامر بصبر النفس عليها، وباجتناب النواهي بصبر النفس عنها.
وأما الصبر على أقدار الله الكونية: الصبر عند البلاء؛ ماقضاه الله وقدَّره، قال: ولابد للعبد من بلاء إذا ماتصدى للناس .
قال تعالى مسليا قلب نبيه {وَلَـقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّنْ قَبلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَاكُذِّبُوا وَأُوذُوا حتَّى أتَاهُمْ نَصرُنَا}، وقال تعالى { كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} وقال { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ }، أمر الله جل وعلا نبيه بالصبر فقال {فاصْبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ} وقال له لَمَّا اشتد عليه مانزل به مِن أمرهم قال له { إِصْبِرْ وَمَا صَبرُكَ إلَّا بِاللّهِ }.
قال العلامة المجدد: *(الدليل)* على مَامَرَّ *{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} قال الإمام الشافعي: لو ما أنزل الله حُجَّة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم، وقال الإمام البخاري: بابُ العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل )*
هذا آخر تبويب البخاري رحمة الله عليه، وعلى هذا درَج الإمام المجدد في كل شيء يَذكُره؛ يذكرُ الأمرَ يُفصِّله، ثم يذكر عليه الدليل من الكتاب، ومن أقوال العلماء من التابعين ومن تبعهم ليدلل على صدق ماذهب إليه بالوحي الشديد، وبالأثار عن أصحاب النبي وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وهذا يَدُلُّك على أن الشانئين له والمبغضين له ليسوا في الحقيقة إلا شانئين لما جاء به، مما نَـقله عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وانظر إلى حال أعدائه، وانظر إلى حال شانئيه، هل تراهم يقدمون النقل على العقل أم يقدمون العقل على النقل ؟!!
وانظر هل تراهم يَرجعون متحاكمين للكتاب والسنة أم يتحاكموا إلى رؤوسهم وقادتهم ؟!!
وانظر هل تراهم متجردين ؟!!
هل تراهم وقافين ؟!!
هل تراهم يَنزلون على أمر الله وأمر نبيه إذا جاءهم أم تراهم مُتفلتين يَنْأوْنَ ويَصُدون عن ذلك صُدودا ؟!!
إذا كانت الطائفة التي تعاديه بكَوْمَة الأراء والأهواء والكلام تحقد فلا تَـعْبأ بها، وإذا كانت لأهل الحديث والرواية ولأهل الاتباع والانقياد تَصُب فلا تعبأ بها، كفانا الله جل وعلا بِـوَحيِهِ مالم يَكتفِ به هؤلاء، قد كفانا به والحمد لله، ومن نظر إلى سيرة هؤلاء كُـلَّابيةٍ وأشعريةٍ وماتوريديةٍ ومُتكلمةٍ، بالجملة وعلى التفصيل وَجَدهم جُملـة مِن التائهين، يقول رأسهم: غايةُ ما وصل إليه هو أنْ جَمع قيل وقال، غايةَ ما وصل إليه أنه في وَحشة من نفسه، قال: لقد خُضتُ البحر الخِضَمَّ وما وصل الأبعدُ إلى شيء إلا أن جمع قيل وقالوا كما قال هو، ويتمنى أن يموت في المُنتهى على عقيدة عجائز نيسابور، فماذا صنع فيه العلم لو حصَّل العِلمَ الحق لمَا تمنى أن يموت على مايسمونه هو بالتقليد المَحض، نسأل الله جل وعلا أن يَدفع عن أهل الحديث والأثر، بَغيَ الباغين، وحسَد الحاسدين، وحِقـد الحاقدين، وجهل الجاهلين، وسبَّ السَّابِّين، وطعنَ الطاعنين، ونَبز النابزين بالألقاب، الذين الذين لايخافون الله جل وعلا في المؤمنين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق