«في المولد»
«فضيلة الشيخ عبد الرازق البدر»
الحمدُ للهِ الذي بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، ودَاعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ وسِرَاجًا مُنيرًا، بَعَثَهُ رَحْمَةً للعَالَمِين وَمُعَلِّمًا للأُمِّيينَ بِلِسَانٍ عَربيٍّ مُبين؛ فَبَلَّغَ الرسالةَ وَأَدَّى الأمانةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وما تَرَكَ خيرًا إلَّا دَلَّ أُمَّتَهُ عليه، ولا شَرًّا إلَّا حَذَّرَهَا منه. وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ سَيِّدُ ولدِ آدم -صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحابتِهِ أجمعين وَسَلَّم تسليمًا كثيرًا-.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ نِعَمَ اللهِ على عبادِهِ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، وأعظمُهَا وأَجَلُّهَا أنْ بَعَثَ اللهُ رسولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ إلى هذه الأُمَّةِ بالحقِّ والهُدى فَأَخْرَجَهُم به مِن الظُّلُمَاتِ إلى النورِ؛ وواجبٌ عليهم مَحبَّتُهُ مَحَبَّةٌ تَفُوقُ مَحَبَّةَ كلِّ مخلوقٍ كما قال ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
وَمَحَبَّتُهُ ﷺ إنَّمَا تكونُ باتِّبَاعِهِ والسيرِ على نَهْجِهِ، قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١].
وَقَد فَصَّلْتُ مَا يتعلقُ بهذا الموضوعِ في الخطبةِ الماضيةِ، وأقولُ في هذه الخطبةِ:
عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عنهما- قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ...».
وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
وعن العِرباض بن سَارية -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
وعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَت: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي رواية : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
وحديثُ عَائِشَة هذا قاعدةٌ عظيمةٌ مِن قواعدِ الإسلامِ، وهو مِن جَوَامِعِ كَلِمِهِ ﷺ، فإنهُ صَرِيحٌ في رَدِّ كُلِّ البِدَعِ والمُخترعات.
عِبَادَ اللهِ: إنه مع وَضحِ كلامِ الرسولِ ﷺ وجلائِهِ في أنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٍ إلَّا أنه مع ذلك يوجدُ مَن يقولُ: إنَّ هناك بِدَعٌ حَسَنَةٌ!! وكلامُهُ مردودٌ بِقَوْلِ الرسولِ ﷺ: «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، ومَن زَعَمَ أنَّ في البِدَعِ شَيْئًا حَسَنًا فَإِنَّمَا هو في الحقيقةِ يَستدرِكُ على الشريعةِ، وَقَد أَجَادَ الإمامُ مَالِك في الرَّدِّ على مِثْلِ هذا القَوْلِ بقولِهِ: «مَن ابتدعَ في الإسلامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَد زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا خَانَ الرسالةَ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]، فَمَا لم يَكُن يومئذٍ دِينًا فَلا يكونُ اليومَ دِينًا».
عبادَ الله: إنَّ مِن جملةِ هذه البدعِ ما ابتدعَهُ بعضُ النَّاسِ في شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ مِن «بِدْعَةِ عِيدِ المَوْلِدِ النَّبويِّ»؛ يجتمعونَ في الليلةِ الثانيةِ عشرة منه فَيُصَلُّونَ على النبيِّ ﷺ بِصَلَواتٍ مُبْتَدَعَةٍ، ويَقرؤونَ مَدَائِحَ للنبيِّ ﷺ تخرجُ بهم إلى حَدِّ الغلوِّ الذي نَهَى عنه النبي ﷺ، ورُبَّمَا صَنَعُوا مع ذلك طَعَامًا يَسهرونَ عليه، فَأَضَاعُوا المالَ والزمنَ وأَتْعَبُوا الأبدانَ فيما لم يَشْرَعْهُ اللهُ ورسولُهُ ولا عَمِلَهُ الخلفاءُ الرَّاشِدُونَ ولا الصَّحَابَةُ ولا المسلمون في القرونِ المُفضلة ولا التابعونَ لهم بإحسان، ولو كانَ خَيْرًا لسبقونَا إليه.
وهذه البدعةُ أولُ مَن أَحْدَثَهَا العُبَيْدِيُّون؛ وَهُم مِن الرافضةِ الباطنيةِ الذين قالَ فيهم الباقلانيُّ: «هُم قومٌ يُظْهِرُونَ الرَّفْضَ ويُبْطِنُونَ الكُفْرَ المَحْضَ».
عباد الله: إنَّ كثيرًا مِمَّن يُقيمونَ هذه الموالد يَرَوْنَ أنَّ ذلك مِن تمامِ مَحَبَّةِ الرسولِ ﷺ وتعظيمِهِ وتوقيرِهِ؛ وهذا ليس بصحيحٍ، إذ أنَّ مَحَبَّتَهُ ﷺ وتعظيمَهُ وتوقيرَهُ لا تكون بِمُخالفةِ هَدْيِهِ ﷺ والابتداعِ في الدينِ الذي قد أَكْمَلَهُ اللهُ له ولأُمَّتِهِ، وإنما تكونُ محبتُهُ وتوقيرُهُ وتعظيمُهُ بلزومِ طاعتِهِ، واتباعِ أَمْرِهِ، والأخذِ بِهَدْيِهِ، والعَضِّ على سُنَّتِهِ بِالنَّوَاجِذِ، وإحيائِهَا بالقولِ والفِعْلِ، واجتنابِ سائرِ المُحْدَثَاتِ التي حَذَّرَ منها، وأَخْبَرَ أنها شَرٌّ وضَلالَة وأَنَّهَا في النارِ، قال ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»(*). [(*) مُراجع على الخطبة على موقع تفريغ خطب علماء أهل السُّنة: قال الألباني: سنده ضعيف رقم 167 المشكاة]
وهذه الطريقةُ هي التي كان عليها السابقونَ الأوَّلُونَ مِن المهاجرينَ والأنصار والذين اتَّبَعُوهُم بإحسانٍ -جَعَلَنَا اللهُ وإيَّاكُم منهم وَحَشَرَنَا في زُمْرَتِهِم-.
عبادَ اللهِ: إنَّ الصحابةَ -رَضِيَ اللهُ عنهم- كانوا أَشَدَّ الناسِ محبةً للنبيِّ ﷺ وأشدَّهُم تعظيمًا له، وكانوا أَحْرَصَ على الخيرِ مِمَّن جَاءَ بعدهُم؛ وَمَعَ هذا لم يكونوا يحتفلونَ بِالمَوْلِدِ ويَتخذونَهُ عِيدًا، ولو كانَ في إقامةِ المَوْلِدِ أَدْنَى مَحَبَّةٍ للرسولِ ﷺ لَكَانُوا أَحْرَصَ الناسِ عليه وأسبقَهُم إليه .
فَعَليكُم عبادَ اللهِ بالسَّمْتِ الأولِ، فَعَن ابن عُمر -رضي الله عنهما- قال: «مَن كانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَن قَد مَاتَ، أولئك أصحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ، كانوا خيرَ هذه الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا وأعمقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَومًا اختارَهُم اللهُ لِصُحبةِ نَبيِّهِ ﷺ وَنَقْلِ دِينِهِ؛ فَتَشَبَّهُوا بأخلاقِهِم وطرائقِهِم، فَهُم أصحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ كانوا على الهُدَى المستقيمِ، واللهِ ورَبِّ الكعبة».
وقالَ ابنُ مسعود -رَضِيَ اللهُ عنه-: «عَليْكُم بِالهَدْي الأَوَّلِ»، وقال: «اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فَقَد كُفِيتُم، وَكُلُّ بدعةٍ ضلالة».
عباد الله: هؤلاء هُم الصحابةُ الذين قالَ اللهُ فيهم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110].
وقالَ فيهم رسولُهُ ﷺ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي» مَا أَقَامُوا هذا الَموْلِدَ ولا فَعَلُوهُ ولا فَعَلَهُ تَابِعُوهُم بإحسانٍ؛ وَهُم أَشَدُّ النَّاسِ مَحَبَّة للرسولِ ﷺ وأحرصُهُم على تطبيقِ سُنَّتِهِ وأبعدُهُم عن البدعِ والمُنكرات.
قالَ الإمامُ مَالك -رَحِمَهُ اللهُ-: «لَن يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأُمَّةِ إلَّا بِمَا صَلَحَ به أَوَّلُهَا».
وَقَد أَحْسَنَ مَن قَالَ:
وكلُّ خَيْرٍ فِي اتبَاعِ مَنْ سَلَفْ *** وَكُلُّ شَرٍّ في ابْتِدَاعِ مَن خَلَفْ
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيمِ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].
بَارَكَ اللهُ لي ولَكُم في القرآنِ الكريمِ، ونَفَعَنِي وإيَّاكُم بِمَا فيه مِن الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، أقولُ هذا القَولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذَنْبٍ فاستغفرُوهُ يغفر لَكُم إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ القَائِل في مُحْكَمِ تنزيلِهِ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ -صَلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصحابتِهِ أجمعينَ وَسَلَّم تَسْلِيمًا كثيرًا- .
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ وأَطيعُوهُ، واحْمَدُوهُ على أنْ جَعَلَكُم مِن أَتْبَاعِ هذا الرسولِ الكريمِ، واحْذَرُوا مِن الوقوعِ فِيمَا نَهَى عنه لِتَنَالُوا بِذَلِكَ مُحَبَّتَهُ ولِتَكُونوا حقيقةً مِن أهلِ طاعتِهِ.
عبادَ اللهِ: قد يقولُ قَائِلٌ: إنَّ الذينَ يُقيمونَ المَوْلِدَ قَصْدُهُم حَسَنٌ، وَهُم لم يُرِيدوا إلَّا رِضَا اللهِ وإظهار مَحَبَّةِ الرسولِ ﷺ بِإقامةِ هذا المَوْلِدِ.
والجواب: إنَّ القَصْدَ الحَسَنَ لا بُدَّ فيه أنْ يكونَ مُطَابِقًا لِسُنَّةِ الرسولِ ﷺ، يَدُلُّ على ذلك: أَنَّ أَحَدَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عنهم- ذَبَحَ أُضحيتَهُ قبلَ صلاةِ العيدِ رغبةً منه في أنْ يأكلَ الرسولُ ﷺ مِن لَحْمِهَا بعد فَرَاغِهِ مِن الصَّلاةِ، وَلَمَّا عَلِمَ الرسولُ ﷺ بذلك قالَ له: «شَاتُكَ شَاةٌ لَحْمٍ» أي: أنَّهَا لم تَقَع أُضحيةً؛ لأنَّهَا ذُبِحَت في غيرِ وقتِ الذَّبْحِ وذلك مُخَالِفٌ للسُّنَّةِ، فَلَم يَشْفَع له حُسْنُ قَصْدِهِ لَمَّا كانَ فِعْلُهُ غير مُطابِقٍ للسُّنَّةِ.
وَلَمَّا دَخَلَ ابنُ مسعود -رَضِيَ اللهُ عنه- في المسجدِ وَرَأَى فيه قَوْمًا حِلَقًا جُلوسًا ينتظرونَ الصلاةَ في كلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ يقولُ: كَبِّرُوا مِئَة فَيُكَبِّرُونَ، فيقولُ: هَلِّلُوا مِئَة فَيُهَلِّلونَ، فيقولُ: سَبِّحُوا مِئَة فَيُسبِّحون، فَقَالَ لَهُم ابنُ مسعود -رَضِيَ اللهُ عنه-: ما هذا الذي أَرَاكُم تَصْنَعُون؟
قالوا: يَا أَبَا عبد الرحمن حَصَى نَعُدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ، قال: «فَعُدُّوا سيئاتِكُم، وَيْحَكُم يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنَّكُم لَعَلَى مِلَّةٍ هي أَهْدَى مِن مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، أو مُفْتَتِحُوا باب ضلَالَة».
قالوا: والله مَا أَرَدْنَا إلَّا الخَيْر.
قالَ: «وَكَم مِن مُرِيدٍ للخيرِ لَنْ يُصِيبَهُ».
عبادَ اللهِ: قالَ بعضُ مَن يَرَى جَوَازَ بدعةِ الَموْلِدِ مُسْتَدِلًّا على جوازِهِ: «إذا كانَ أهلُ الصليبِ اتَّخَذوا ليلةَ مَوْلِدِ نَبيِّهِم عِيدًا أَكْبَر، فَأَهْلُ الإسلامِ أَوْلَى بالتكريمِ وَأَجْدَر!!»
فهذا اعترافٌ منه بِأَنَّ إقامةَ الَموْلِدِ إنَّمَا كان لأَجْلِ مُشَابَهَةِ النَّصَارَى في اتخاذِهِم عِيدًا لِمَوْلِدِ المَسيحِ، وفي هذا مِصْدَاقٌ لِقَوْلِ الرسولِ ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ».
إذن؛ فَفِعْلُ المَوْلِدِ تَشَبُّهٌ بِالنَّصَارَى بِشَهَادَةِ بَعْضِ مَن يَسْتَحْسِنُهُ، وَقَد قَالَ ﷺ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .
فَاحْذَرُوا عبادَ اللهِ مِن الاغترارِ بِمِثْلِ هذه البدعِ والوقوعِ فيها ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا على مُحَمَّدٍ بن عبدِ الله كَمَا أَمَرَكُم اللهُ بذلك في كتابِهِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب:٥٦].
وقالَ ﷺ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا».
اللهم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَليتَ عَلَى إبراهيم وعَلَى آلِ إبْرَاهيم إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وَبَارَكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ على إبْرَاهيم وعلى آلِ إبْرَاهيم إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارْضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشدين الأئمة المَهديين؛ أبى بكر الصديق، وَعُمَر الفاروق، وعثمان ذي النُّوريْن، وأبي السِّبْطيْن عَليّ، وارْضَ اللهم عن الصحابةِ أجمعين، وعَن التَّابعين ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وَعَنَّا مَعَهُم بِمَنَّكِ وَكَرَمِكِ وإحسانِكَ يا أَكْرَم الأكرمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودَمِّر أعداءَ الدين، واحْمِ حَوزةَ الدين يا رَبَّ العالمين, اللهم انصر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ وعبادَكَ المُؤمنين, اللهم آمنَّا في أوطانِنَا وأَصْلِح أئمتنا وولاةَ أمورِنَا واجعَل ولايتَنَا فيمَن خافَكَ واتَّقَاكَ واتبعَ رضاكَ يا ربَّ العالمين.
اللهم آت نفوسَنَا تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أنت خيرُ مَن زَكَّاهَا أنت وليُّهَا ومَولاها, اللهم أصْلِح لَنَا دينَنَا الذي هو عِصمةُ أَمْرِنَا، وأَصْلِح لَنَا دُنيانا التي فيها معاشُنَا، وأَصْلِح لَنَا آخرتَنَا التي فيها مَعَادُنَا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ والموتَ راحةً لنا مِن كلِّ شرٍّ, اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دِقهُ وجِلّهُ أولهُ وآخرهُ سِرهُ وعَلنهُ
اللهم اغفر لنا ما قَدَّمْنَا وما أَخَّرْنَا وما أَسْرَرَنَا وَمَا أَعْلَنَّا وما أنت أعلمُ به مِنَّا أنتُ المُقَدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ لا إله إلا أنت.
اللهم اغْفِر لَنَا ولِوَالدينَا وللمُسْلمينَ والمُسْلِمَاتِ والمُؤمنينَ والمؤمنَات الأحياءِ مِنْهُم وَالأَمْوَات.
ربَّنَا إنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن الخاسرين.
ربَّنَا آتِنَا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرةِ حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارَ.
عبادَ الله: اذكروا اللهَ يَذْكُرْكُم، واشكروه على نِعَمِهِ يَزِدْكُم)وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( [العنكبوت: 45].
مستفادة من كتاب «الضياء اللامع من الخطب الجوامع»
للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-.
«بيان بدعة عيد المولد» ص 36
مصدر الخطبة مُفرغة: موقع الشيخ الدكتور عبد الرزاق البدر –حفظه الله-.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق