الأحد، 11 ديسمبر 2016

شرح الحديث الخامس:من الأربعين النووية للشيخ الفاضل:يعقوب البنا حفظه الله تعالى

                 بسم الله الرحمن الرحيم

                     الدرس الخامس

في شرح  الأربعين النووية
(الحديث الخامس )

للشيخ يعقوب البنا حفظه الله
في مجموعة : تعليم السنة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )
(يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد :
فالحديث الخامس في الأربعين النووية: هو حديث عائشة –رضي الله عنها- قال رسول ( : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه الإمام البخاري ومسلم .
وفي روايةٍ لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
هذا الحديث أصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الدين، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها النبي(، وهو أحد الأحاديث الذي عليه مدار الإسلام، والذي يدور الدين عليه كما قال الإمام أحمد –رحمه الله -: أصول الدين على ثلاثة أحاديث: «إنما الأعمال بالنيات»، و«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، و«إن الحلال بيَّن، والحرام بيَّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات».
هذا الحديث أصلٌ عظيم في الأعمال الظاهرة، وميزان لها ، وهو نصف الدين، لأن االعبادة لا تنبني، ولا تقوم إلا على أساسين عظيمين :
الأول الإخلاص: «إنما الأعمال بالنيات» هذا هو النصف الأول .
الثاني المتابعة لهدي المصطفى( وهذا هو النصف الثاني .
فمن أخلَّ بالأول أي بالإخلاص وقع؛ إما في الشرك، أو النفاق، أو السمعة، أو الرياء.
وإن أخل بالمتابعة: وقع في البدع، والمحدثات .
فهذا الحديث أصلٌ عظيم في رد سائر البدع، والمحدثات؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا» أي من جاء بعبادة لم يأت بها نبينا(؛ فهي مردودة
فقوله (من أحدث) كقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية (من عمل عملا) أي من عمل عملا يتقرَّب به إلى الله
فقوله (في أمرنا هذا)، أي في ديننا وشريعتنا ؛ (ما ليس منه) وهذا أيضا كقوله في الراوية الثانية «ليس عليه أمرنا فهو رد» أي العمل الذي جاء به ليس من دين الله عزوجل ولا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم « فهو رد» أي فهو مردود على صاحبه ليس بمقبول .

وقوله (من أحدث) أي من أحدث في ديننا؛ أما الأمور الدنيوية من أحدث واخترع فيها الإختراعات الحديثة فلا شك أن هذه الإختراعات لا تدخل في الحديث ، وكذلك لا يدخل في الحديث ما يسمَّى بالمصالح المرسلة ؛ لابد من معرفة الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة حتى لا يحصل الخلط .
فالبدعة تكون في الدين ومتجهه إلى الغاية والمصالح المرسلة هي في أمور الدنيا لا تتعلق بالدين وهي متجهه إلى الوسائل لتحقيق الغايات.
وأيضا البدعة قام المقتضى لفعلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف المصلحة المرسلة فإنها لم يقم المقتضى لفعلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
المصلحة المرسلة: كالمكبرات مكبرات الصوت ؛ فهي وسيلة وليست عبادة، وأيضا كتوثيق عقود الزواج في المحاكم هذه مصلحة، ووسيلة لحفظ الحقوق بين الزوجين، وأيضا جَمْع القرآن الكريم من المصالح المرسلة، ولا أحد يقول أنها من البدع لأنها ليست عبادة، وإنما وسيلة لحفظ القرآن الكريم .
والبدع والمحدثات كأن تزيد في العبادة فمثلا تصلي الظهر خمس ركعات أو تزيد في التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة المفروضة على ثلاث وثلاثين وهكذا .
والأصل في العبادات أنها توقيفية أي أنك لا تاتي بعبادة إلا دل عليها الدليل الشرعي الصحيح والثابت .
وأما المعاملات فالاصل فيها أنها على الإباحة حتى يأتي الدليل على التحريم .
فمثلا المعاملات التي تشمل على الربا فهي محرمة وفاسدة ومردودة وهكذا المعاملات التي فيها غرر أو ميسر فهي محرمة وفاسدة ومردوة .
فصاحب البدعة عمله مردود عليه فهو مأزور لا مأجور ولا يزيده بفعله هذا إلا بعداً من الله جلا وعلا ويوم القيامة سيحاسب على إحداثه في دين الله
وإن أصبح قدوة للآخرين حمل على وزره أوزار كل من تبعه قال تعالى (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) وأيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئا)
وأيضا ما جاء في صحيح مسلم من حديث جرير رضي الله عنه الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم (ومن سن فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء) .
واعلموا أنه ليس في دين الله عز وجل بدعة حسنة؛ كما يقول بعضهم أن البدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة حسنة، وبدعة سيئة. لا، البدع كلها سيئة وضلالة .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل بدعة ضلالة) كل من ألفاظ العموم لا تخصيص لها ولا استثناء فتشمل البدع كلها فكل البدع ضلالة
، وأيضا وصفها بأنها شر الأمور كما في قوله صلى الله عليه وسلم (وشر الامور المحدثاتها)
وأيضا قال ابن عمر رضي الله عنهما (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة).
وأهل البدع قبحهم الله دائما يلتمسون الأدلة الشرعية فيلوون أعناقها ليستدلوا بها على باطلهم وبدعهم ، لكن ولله الحمد هذه الأدلة حجة عليهم وليست حجة لهم فهي أبعد ما تكون عن استدلالهم ، فهم يستدلون على البدعة الحسنة بحديث النبي(: (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة) إالى أن قال (ومن سن في الإسلام سنة سيئة) فقالوا: الحديث دل على أن البدعة تنقسم إلى قسمين بدعة الحسنة، وبدعة السيئة
مع أن النبي( يقول: «سنة حسنة»: قال سنة ولم يقل بدعة أي من أحيا سنة؛ سنة ماتت فأحياها ، سنة جهلها الناس فعلمهم، سنة فرَّط فيها الناس وقصَّروا فيها وتهاونوا بها فجاء فلان من الناس فنشرها بينهم فعملوا بها سنة حسنة أي طريقة حسنة وسنة سيئة أي طريقة سيئة .
لو تأمَّلنا سبب ورود هذا الحديث لعلمنا ما معنى الحديث، فسبب ورود الحديث أنه جاء قوم عامتهم من مضر إلى النبي ( ، عليهم الفاقة: أي الفقر، فتمعَّر وجه (، فخطب الناس وحثهم على الصدقة؛ إذا الصدقة مشروعة بالكتاب والسنة، فجاء رجل بالصدقة؛ جاء بصرة من الصدقة تثقل يده من حملها فوضع الصدقة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء الناس بصدقاتهم حتى أصبح كومة من الصدقة فتهلل وجه ( . فهذا الرجل أحيا سنة قد غفل الناسُ عنها؛ ثم قال صلى الله عليه وسلم : «من سن في الإسلام سنة حسنة» الحديث .
وأيضا مثلًا موظف في عمله رأى زملاءَه لا يصلون الضحى، فبدأ يعملهم، ويخبرهم بفضل هذه الصلاة فهو أحيا سنة، إذا صلَوْا هذا الرجل أحيا سنة بين الموظفين وهكذا.
إذًا ليس في دين الله عز وجل إلا بدعةُ سيئة، وضلالة.
والبدعة: ما كان على خلاف الدليل الشرعي
ولابد من معرفة الفرق بين البدعة ومخالفة السنة
مخالفة السنة ما فعل على غير السنة ولم يلتزم به فهذا يقال أنه خلاف السنة فإذا التزم به صار بدعة
والحقيقة البدعة من أعظم الأمور شرًا بعد الشرك لأن صاحب البدعة يستحسن هذا عمله، ويظن أنه على خير، وعلى هدى، ويتقرَّب إلى الله عز وجل ببدعته بخلاف صاحب المعصية فإنه يعلم أنه على ذنب، وأنه ينتهك المحرم، ويشعر بألم الذنب، والمعصية، وضميره يؤنبه، ويحدِّث نفسه بين الحين والآخر بالتوبة، بخلاف صاحب البدعة فإنه يستمر، ويتقرب إلى الله عز وجل ببدعته، ويدعو الناس إلى بدعته ، وينافح عنها ويحارب من يقف في وجهه يقول الله عزوجل (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالًا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا(.
ويقول سفيان الثوري –رحمه الله-: "صاحب البدعة أحب إلى إبليس من صاحب المعصية، لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها".
إذًا الأمر مهم!، والمسلم لا بد أن يعلم خطر هذه البدع، والمحدثات في دين الله عز وجل .
أيها الإخوة! سبب هذه البدع؛ أولًا: الجهل بالكتاب، والسنة وبمهنج السلف، ثمَّ الهوى وغير ذلك من الأسباب والبعض يعتذر لبدعته بحسن القصد والنية، وحسن القصد لا يشفع العمل المخالف للسنة ؛
ولهذا رأى ابن مسعود -رضي الله عنه-، في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة ، وفي كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبِّروا مائة فيكبرون مائة، هللوا مائة فيهللون مائة، سبِّحوا مائة فيسبحون مائة؛ فقال ابن مسعود لهم ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أباعبد الرحمن!
حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم
فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم!
هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته
لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب
ضلالة؟ ! قالوا والله: يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، هذا هو الشاهد
قال:وكم من مريد للخير لن يصيبه ثم ذكر حديث لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج
وقال عمرو بن سلمة في تمام الحديث : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج ".

من البدعة الصغيرة إلى البدعة الكبيرة ، يسبحون ويكبرون ويهللون على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل بهم الحال إلى تكفير الصحابة والمسلمين وقتالهم وأيضا في قولهم (والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخي)ر هكذا التمسوا لفعلهم المخالف للسنة حسن المقصد والنية.
أيها الإخوة! العمل يكون بدعة إذا خالف السنة في أمر من هذه الأمور الستة :
السبب، والجنس، والكيف، والقَدْر، والزمان، والمكان.
أولا : السبب لا بد أن يوافق العمل السنة في السبب؛ فإن خالف في السبب أصبح بدعة لأن البدعة قد تكون لها أصل، مثلًا: فلان يصلي، الصلاة مشروعة، لكن لم يصل على الوجه الذي جاء به محمد(، فلا بد من موافقة العمل في السبب؛ مثلًا: فلان يقرأ القرآن مثلا إلى قول الله عز وجل: (وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، واركعوا مع الراكعين( فسجد سجود التلاوة. فهذه الآية ليست سببًا لسجود التلاوة .
فلان دخل دُكَّانه، كلما دخل دكانه صلي ركعتين ! نقول دخول الدكان ليس سببا لتصلي ركعتين وإنما دخول المسجد سببُ لتصلي ركعتين
ثانيا :الجنس لا بد من موافقة العمل السنة في الجنس، مثلا الأضحية تكون من بهيمة الأنعام؛ من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الضأن؛ فقال فلان أنا أريد أتقرب إلى الله بأعظم من هذا ، بأضحية تكون أكثر لحمًا، وأعظم ثمنًا! سأُضحِّي بالخيل. نقول له هذا بدعة لابد أن يوافق العمل السنة في الجنس، أي في جنس العبادة.
ثالثا الكيفية: لا بد أن يوافق العمل السنة في الكيفية في كيفية العبادة، في الصلاة مثلا القيام أولًا، ثم الركوع، ثم الرفع من الركوع، ثم السجود، وهكذا لو غيرت الكيفية لما أتيت بالسنة في الكيفية فنقول له هذا بدعة لابد أن يوافق العمل السنة في الكيف .
رابعا : القَدْر: لابد من موافقة العمل السنة في القدر مثلا رجل من الناس قال سأصلي مثلاً المغرب أربع ركعات، أو قال سأصلي ركعتين؛ نقول هذا بدعة لابد من أن يوافق العمل السنة في القدر لابد أن تصلي ثلاث ركعات .
خامسا : المكان لا بد أن يوافق العمل السنة في المكان، مثلا قال فلان سأعتكف في الدكَّان، الاعتكاف أين يكون؟ يكون في المسجد. فنقول له هذا بدعة لابد من أن يوافق العمل السنة في المكان فتعتكف في المسجد لا في الدكان .
سادسا: الزمان لابد أن يوافق العمل السنة في الزمان لا بد أن تصلي الظهر مثلا في وقته ، والعصر في وقته ، وهكذا إن خالفت العبادة في وقتها فلا تقبل، ولهذا الأُضحية متى تذبح؟ بعد الصلاة إن ذبحت قبلها تكون لحم شاة صدقة الفطر تكون صلاة العيد لها وقت، فإذا أخرجتها بعد الصلاة تكون صدقة من الصدقات.
فلابد من موافقة العمل السنة في الوقت وإلا صار بدعةً.
إذًا أيها الإخوة: لا بد أن يكون العمل موافقًا للسنة في ستة أمور :أولاً السبب، ثانياً الجنس، ثالثاً الكيف ، رابعاً القدْر، خامساً المكان، سادساً الزمان .
أيها الإخوة هذا الحديث حديث عظيم وهو أصل في رد سائر البدع، والمحدثات .
نكتفي بهذا وبارك الله فيكم، وصلى الله على نبينا، وعلى آله وصحبه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق